ستيڤ جوبز وقصص النجاح

كنت أقف إلى جوار قسم الكتب العربية في إحدى مكتبات دبي، وكنت أرقب رواد المكتبة الذين يقصدون هذا القسم، لأرى أي الكتب تشدهم أكثر، وقد وجدت أن أكثر من 50 في المائة من رواد المكتبة يتوقفون أمام كتابين وضعا في مقدمة القسم، الكتاب الأول هو كتاب رؤيتي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، والكتاب الثاني مذكرات ستيف جوبز مؤسس شركة أبل، أما الكتب الأخرى، فلم تحصل على ذاك الاهتمام من القراء.
بلا شك، فإن قصص النجاح تشدنا أكثر من غيرها، خصوصا المعاصر منها، أما إذا صاحبت هذه القصة معاناة لصاحبها أو الشخصية الأكثر تأثيراً فيها، فإنها تصبح أسطورة. ما يهمني هنا ليس تفاصيل قصص النجاح هذه، أو الإغراق في التحليل النفسي للمتلقي، ما يهمني هو كون قصص النجاح موضع اهتمام معظم القرّاء، إلا أن هذا النوع من الكتب أخذ يؤثر في الكثير منا تأثيرا سلبيا من خلال ظاهرتين أجدهما جديرتين بالتأمل. ليس العيب أو الخلل هنا في الكتاب أو ما يحتويه الكتاب، إنما الخلل في طريقة تقبلنا واستيعابنا لما تبوح به هذه التجارب.
الظاهرة الأولى تتمثل في الإحباط الذي يصيب البعض بعد قراءته كل تجربة ناجحة، فيتحول إلى مارد من اللوم والإحباط، فتجد أن معظم هؤلاء يقارنون ما قرأوه من قصص نجاح بواقعهم الاقتصادي - إذا كانت التجربة اقتصادية - المرير، ويبدعون في ذكر العراقيل التي أمامهم التي تمنعهم من تحقيق النجاح أو خلق تجربة ناجحة كالتي قرأوها، وهذا يمثل لهم أكبر عزاء، فيعودون لسباتهم مرة أخرى مرتاحي الضمير!
أما الظاهرة الثانية تكمن في تحول هذه القصة إلى سجن فكري إبداعي كبير. فتجد بعض روّاد الأعمال مثلا يتجهون لاستنساخ تجربة ستيڤ جوبز بكل تفاصيلها، متوهمين أنهم بهذه الطريقة يسيرون نحو النجاح وتحقيق الإبداع، حتى إنني سمعت أحدهم مرة يقول، لماذا مات ستيڤ جوبز؟ فلو كان حياً لفعل كذا وكذا، ولو كان هنري فورد حياً لعالج وضع شركة فورد في عام 2008 بشكل مختلف!
إن قراءة التجارب السابقة الإنسانية أو الاقتصادية أو السياسية مهمة جداً، لكن ليس لاستنساخها أو تقليدها أو للهروب منها للركون بحجة عدم وجود مقومات النجاح بين أيدينا، إنما لاستلهام روح الصبر والمثابرة والدروس، وكي تكون دافعا لكل منا في تحقيق قصته الناجحة الخاصة به، التي تمثل فكره ورؤيته. لن تكون ستيڤ جوبز، ولن تكون محمد بن راشد، لأن قصص النجاح أقرب لبصمة الإنسان التي قد تتشابه، لكنها تختلف اختلافاً بيّناً، ستيڤ جوبز وهنري فورد قدما ما استطاعا ورحلا، أما أنا وأنت، فعلينا تحسس طريق النجاح بأنفسنا، وكل عام وأنتم بخير ومبارك عليكم الشهر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي