أمريكا والإرهاب .. حرب أم تحالف؟
دولة ولاية الفقيه في إيران التي سبق أن أطلقت عليها الإدارة الأمريكية لقب "الدولة راعية الإرهاب" وملحقاتها: حزب الله، فيلق القدس، فيلق بدر، ميليشيات أبو الفضل العباس، عصائب أهل الحق، جيش المهدي وغيرها ممن يمثلون التطرف الراديكالي الشيعي، ومن الطرف الآخر، حليفتها، جماعة "الإخوان المسلمين" المنظمة الإرهابية الدولية "السنية" المتغلغلة في كثير من الدول العربية والإسلامية، ومشتقاتها: الجماعة الإسلامية، وحركة الجهاد الإسلامي التي تنسب نفسها ادعاء لما يُسمى "السلفية الجهادية"، منظمة القاعدة، وتوأمها داعش، جماعة التكفير والهجرة، وطالبان (النسخةالإخوانية الجنوب آسيوية المتأثرة بنتاج سيد قطب، والمودودي)، هل لا يزال يشك أحد في أن هذه القوى الإرهابية هي أبرز مصادر زعزعة الاستقرار والسلم العالمي؟ لكن يبدو أنه أصبح للولايات المتحدة رأي آخر.
واستكمالاً لما سبق طرحه من حقائق في المقالات الثلاث السابقة، فإني هنا أتساءل: تُرى هل انتقلت أمريكا من استراتيجية "الحرب على الإرهاب" المتمثل في "محور الشر: إيران والقاعدة (أوضح مشتقات جماعة الإخوان المسلمين) وكوريا الشمالية" بحسب الأمريكان، إلى استراتيجية " التحالف مع الإرهاب"؟ وإن أثبتت الوقائع على الأرض أنه يوجد بالفعل مثل هذا التحول - الذي تطرقت لبعضٍ من ملامحه سابقاً وسأتوسع في ذلك قريباً- فما الأسباب والعوامل التي أدت لذلك؟ وهل ذلك في مصلحة أمريكا حقاً؟ هذا ما سأحاول التطرق إليه في المقالات القادمة، معتبراً هذه المقالة مجرد مقدمة لما سيليها.
إن الراصد لبدايات الإرهاب في العصر الحديث، يلاحظ بجلاء أنه منذ صعود ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران "ثورة الخميني" التي بلغت أوجها في المحرم عام 1398هـ الموافق للثاني عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1978، واستيلائها – باسم الثورة الدينية الشعبية، ثم عبر صناديق الانتخاب- على زمام الأمور هناك عام 1979؛ بدأت الأعمال الإرهابية العدائية باسم "الإسلام والإسلاميين" تحت شعار: "محاربة الإمبريالية الغربية"، تضرب البشرية هنا وهناك، وبدأت أول ما بدأت في العام ذاته، بتاريخ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) حين جرى اختطاف 66 مواطناً أمريكياً من قبل ميليشيات طلابية إسلامية، وهو ما عُرف بـ "أزمة الرهائن في إيران"، ورصدت بنفسي قول منتم لجماعة التبليغ ما نصه: "لقد استبشرنا حينها خيراً بالثورة الإسلامية في إيران، حيث كان للخميني شعبية جيدة بيننا نحن التبليغيين، وإخواننا في جماعة الإخوان المسلمين، كونه (الخميني) "مطوعا" وجاء بثورة دينية إسلامية واختاره الشعب" وقد تلى ذلك بأشهر هجوم جهيمان - الذي درس في جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية في المدينة - على الحرم المكي بتاريخ 20 تشرين الثاني (نوفمبر) غرة المحرم عام 1400هـ، مُنَبئاً بهوس بخروج المهدي المنتظر!! احتل الحرم لمدة وصلت لأسبوعين قبل أن يتم التعامل مع الموقف وإنهاء هذا الاحتلال من قبل قواتنا الباسلة بذكاء، وبأقل الخسائر الممكنة، وعملت دعاية الخميني وخطبه في ذلك الحين على تحميل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك، وبالتالي فقد نسب "تأخر خروج المهدي المنتظر" – بزعمه - إلى "الإمبريالية الأمريكية"! ونتج عن هذه الدعاية الخمينية إحراق السفارة الأمريكية في إسلام أباد حتى تمت مساواتها بالأرض، كما جرى الهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا، وجرى التوسع في تصدير الثورة الخمينية لبلدان عدة، بما فيها أفغانستان، وحينها احتلها السوفيات، فهب الأفغان في مقاومة هذا الاحتلال، ومكافحة الفكر الشيوعي الإلحادي، وطلب الشعب الأفغاني العون من أشقائه وإخوانه وأصدقائه، فهب العرب والمسلمون لنُصرة هذا الشعب المسلم المحتلة أرضه من "السوفيات الشيوعيين الملحدين"، من باب إحقاق الحق، ورفع الظلم، ونصرة المظلوم، وكان في مقدمهم المملكة، حكومة وشعباً، واستغلت قوى متطرفة ذلك الحدث لتُشكل نواة لتحركاتها المريضة، وكان على رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التي كانت أكثرهم تنظيماً، وربيبتها (الجهاد الإسلامي)، فطار الإخواني الفلسطيني عبد الله عزام إلى أفغانستان وفي ذهنه تشكيل نواة ما يسميه "دولة الخلافة الإسلامية" – تماماً كـ "داعش" الآن- ولاعتبارات عدة أصبح العرب الذين يذهبون إلى هناك في الغالب ينضمون إليه، حيث تجري لديه هناك استكمال عمليات "غسل الأدمغة" عبر زرع الأفكار المنحرفة لكل من سيد قطب، وأبي الأعلى المودودي. وكان ممن انضم إليه الإرهابي الإخواني الذي نشأ وترعرع وتشرب هذا الفكر في جدة: "أسامة بن لادن"، والإخواني المنشق الآخر المنتمي لحركة "الجهاد"، والذي أقام لفترة قصيرة في السعودية: أيمن الظواهري، وهؤلاء الاثنان هما من شكل تنظيم القاعدة فيما بعد. ودعمت الولايات المتحدة - في ذلك الحين - الجماعات المقاومة "المجاهدين" بما فيها جماعة عزام وبن لادن، من باب أن "عدو عدوي صديقي"، أما المملكة فقد جاء موقفها واضحاً وصريحاً ومُجسداً فعلياً لدعوتها للتعاون الإسلامي، ونابعاً من سياساتها الخيِّرة المتمثلة في تحقيق التضامن بين المسلمين، ومناصرتهم والدفاع عن قضاياهم العادلة وحقوقهم المشروعة وفق مبادئ القانون الدولي العام، والذي أكد مشروعية رفض العدوان ومقاومة المحتل وصولاً إلى تحرير الأراضي المغتصبة.
إلا أنه بعد انتهاء الحرب، وخروج المحتل، نفضت الولايات المتحدة يدها من أفغانستان، حيث قضت وطرها بانهيار الاتحاد السوفيتي، ولم يعد لها من مصلحة تُذكر، ولتترك أفغانستان للصراع والاقتتال الداخلي، بين جماعات وطنية وإسلامية معتدلة، وأخرى إخوانية إرهابية متطرفة تطمح لإنشاء "دولة الخلافة" تماماً كما داعش اليوم، وجماعات موالية لإيران، وأخرى موالية للروس، وقد استمرت المملكة في مساعيها الحميدة لإنهاء هذه الصراعات وهذا الاقتتال عبر دعواتها المستمرة للمصالحة بين جميع الفصائل الأفغانية المتناحرة، والتي لم يكتب لها النجاح لأسباب عدة يأتي في مقدمها تدخل جهات أجنبية على الخط وظهور طالبان، وتمددها على أرجاء البلاد كافة كحليف رئيس جديد للأفغان العرب وتنظيم القاعدة "تركة الإخواني عزام"، هذا التنظيم الذي ربطته – بحكم المصالح والقيم المشتركة - علاقات قوية بإيران، فبسطت حركة طالبان نفوذها في أفغانستان وتقاسمته مع حلفاء إيران التقليديين، وأضعفت من فرص تحقيق المصالحة، ولتصبح إيران "الخمينية"، وأفغانستان "الطالبانية الإخوانية" وجهين (شيعيا) و(سنيا) لعملة إرهابية واحدة. للحديث بقية.