«الإخوان المسلمون» وأمريكا وفوضى الضياع

"التلون" ، "التربية والتعليم"، "الدعوة"، "الصحوة الإسلامية"، "الشعبية العارمة التي تخترق القصر". كلمات ذكرها نصا باحثون أمريكيون عام 2007، يرون فيها سر نجاح تغلغل الإخوان المسلمين في الدول العربية والإسلامية. "القدرة الفائقة على التلون لدى القادة"، لكن السؤال الملح: لماذا هذا التلون؟ والإجابة المنطقية هي أن من يتلون إنما يخفي شيئاً، إنه يخفي لونه وكنهه وماهيته الحقيقية. التورية، والتلون، هو لخداع المجتمع، والقيادات الفكرية والدينية والثقافية والقضائية والسياسية على حد سواء، فبحسب الدراسة الأمريكية المتناولة في المقالة السابقة التي نصحت الإدارة الأمريكية بأهمية "تقديم الدعم إلى، والتعاون مع" هذه المنظمة لتكون أداة "لتحقيق السيطرة على" والتحكم في "العالم العربي والإسلامي" باسم "الدين" عبر ما تمتلكه من "قوة ناعمة وتأثير كبير داخل المجتمعات الإسلامية"، وتحت عنوان فرعي حمل اسم "الأخ الأكبرBig Brother، جرى تناول تاريخ هذه الجماعة، ونجاحها في الانتشار داخل المجتمعات عبر أداتها الرئيسة "التربية والتعليم"، بجانب استخدامها شعارها البراق: "الإسلام هو الحل" الأكثر جاذبية من "شعارات اليسار التي انتشرت في حقبة ماضية"، وبحسب الدراسة، فإن تركيز الإخوان بداية هو على "استمالة وإقناع الأفراد، فالأسر، وصولاً إلى المجتمع برمته"، وأن تكتيكاتها تنص على البدء بنشر هذا الفكر عبر "الطبقة المتوسطة الدنيا" كونها تمتاز عادة بالبساطة والتدين، ولتكون قاعدتها العامة، وصولاً إلى "الطبقة البرجوازية الغنية، وطبقة المحترفين كدكاترة الجامعات، والمحامين والمهندسين والأطباء"، ثم اختراق "القصر"، أما مصطلح "الصحوة الإسلامية" -فهو بحسب الباحثين- اسم آخر لحراك "الإخوان المسلمين"، إنه الغطاء الذي تتستر خلفه الجماعة في دعوتها، وتسويق أفكارها ومعتقداتها، وذلك لعدم استساغة العامة في دول عربية عدة -باستثناء بعض الدول كمصر والأردن والسودان- اسم الإخوان المسلمين.
وفي عنوان فرعي آخر تناول فكر الإخوان وأساليبهم، ذكرت الدراسة صراحة أن "سجون الشرق الأوسط، والبترودولار، والصراعات الجيوسياسية في المنطقة أكسبت "الصحوة الإسلامية" -الكبسولة التي تغطي عملية نشر الفكر الإخواني- القدرة الفائقة على التلون لتحقيق البقاء والانتشار والتغلغل"، وأن التقرب من صناع القرار أكثر فأكثر عبر إظهار الوطنية والولاء المطلق هو أحد أبرز هذه الأساليب للوصول للسلطة، ولا سيما أن الجماعة لا تؤمن بجدوى الثورة حالياً "عام 2007"، وأن السبيل الأنسب للظفر بالسلطة هو عبر كسب القلوب والعقول، وأخونة المجتمع "فكرياً"، وعدم إظهار ذلك كدعوة لفكر جماعة الإخوان، بل إظهاره وكأنها "صحوة إسلامية" ودعوة لـ "أسلمة المجتمعات"، مع إبراز "قادة روحيين يكون لهم تأثيرهم في الجماهير" حتى يصبح السواد الأعظم من المجتمع داعما للجماعة، تظهر حينذاك دعوات للديمقراطية، والحريات، وتداول الحكم عبر الانتخابات، فـ "الأمة مصدر السلطات" بحسب أدبيات الجماعة. ومتى ما تمكنت الجماعة فـ"ستحكم السيطرة بأساليب كأساليب النازية أو الفاشية".
وهنا يتساءل المرء: ما الذي يجعل هؤلاء الباحثين متحمسين لنصح الإدارة الأمريكية بالتحالف مع هذه الجماعة "الفاشية" الغامضة الطامعة للحكم؟ الجواب يحتاج إلى مقالة منفصلة، لكن أهمية التحالف بالنسبة لهم يبرز في نقاط عدة استللتها من مجموعة أبحاث، أبرزها أن الجماعة "دينية" ولها تأثير كبير في المجتمعات "المتدينة" وعلى مختلف الفصائل المتطرفة "كالجهاد، والتكفير والهجرة، والقاعدة وغيرها"، وأن هذه الجماعة لا تؤمن بفكرة "الجهاد العالمي" إن هي تسلمت السلطة، وإن استخدمت مثل هذه الشعارات لمجرد التلاعب بالعواطف لدى العامة واستحضار صور من الذاكرة التاريخية لدى المجتمعات الإسلامية، وإن هذه الجماعة براجماتية، كما يلفت الباحثون إلى ضرورة أن يفرق صانع القرار الأمريكي بين "الإخوان" و"السلفية الوهابية"، فعند سؤال الباحثين لقادة الإخوان عما إن كانوا سلفيين أجابوا: "هذا يعتمد على تعريفك للسلفية" منتقدين صراحة "السلفية السعودية التقليدية التي تحصر اهتماماتها في المسائل الدينية"، وبالتالي هم يرفضون "السلفية الوهابية، وإن كانوا لا يعلنون ذلك للعامة" انتهى الاقتباس. يظهر جلياً إذن أن دراسات أمريكية عدة قُدمت كنصائح لصانع القرار، تدعو بوضوح للتعاون مع هذه الجماعة "الفاشية الإسلامية" ودعمها، كونها الأداة الأنجع للسيطرة على "مليار ونصف مليار" منتشرين من أقصى الشرق في إندونيسيا وماليزيا، مرورا بجنوب آسيا، حتى منطقة الصراعات الحارة وقلب العالم العربي والإسلامي "الشرق الأوسط" وصولاً إلى أقصى غرب إفريقيا، بل التجمعات الإسلامية في أوروبا وأمريكا، كلها واقعة ضمن نطاق تأثير هذه المنظمة الدولية.
وإذا ما ربطنا بين الدراسات التي جرى تناولها في المقالتين السابقتين والمعطيات أمامنا حول الجماعة الغامضة من حيث التأسيس، والهيكلة، والإدارة، ومن يقف وراءها، بجانب ما توصلت إليه دراسات إسرائيلية من أن استخدام "الدين" للسيطرة على شعوب الشرق الأوسط هو الأكثر فاعلية، كون شعوبها متدينة بطبعها، وأن المقصود بـ "الدبلوماسية الدينية" ليس "محاربة" التطرف الديني، بل استخدامه وإعادة توظيفه للتحكم عبره في الشعوب وجعلها تنفذ ما يصب في النهاية لمصلحة إسرائيل، واستحضرنا مشروع "الشرق الأوسط الجديد" وما أطلقت عليه المستشارة السابقة للأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس "الفوضى الخلاقة"، وهو في الحقيقة "فوضى الضياع" للأمة العربية والإسلامية كما وصفه خادم الحرمين الشريفين. ثم خطاب أوباما في القاهرة عام "2009" الذي جاء بمنزلة الإعلان الرسمي للتحالف الأمريكي مع هذه الجماعة، ومحاولات التدخل الأمريكي السافر والداعم لمرسي لآخر لحظة؛ فإننا نتوصل لنتيجة منطقية، مفادها أن هذه الجماعة الإرهابية: عميلة وخطيرة ومعول هدم للأمة، وأن دورها متمثل فيما أفصح عنه دون رتوش أو تعقيد الفيديو المسرب -المنشور في يوتيوب- لجيمس وولسي Robert James Woolsey الرئيس الأسبق للاستخبارات الأمريكية الذي قال حين كان على رأس جهازه عام 1993 إن من غير المنطقي محاربة الإسلام، بل التعامل معه، وإننا إذا استطعنا إقناع المسلمين في العالم بأنهم مضطهدون من حكامهم وإننا نقف معهم وإلى جانبهم، وإننا سننتصر معاً في النهاية، كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة، فإننا بذلك نخلق التوترات والانقسامات في العالم الإسلامي، إلى أن قال: حينها سنعلن الآن، وللمرة الرابعة خلال المائة سنة الماضية أن هذه الدولة وحلفاءها قادمون للزحف العسكري، وسننتصر. للحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي