أمريكيون: «الإخوان المسلمون» .. ضالتنا

"لماذا يكرهوننا لهذا الحد؟" ذلك هو التساؤل الأمريكي الشهير الذي تركزت النقاشات وتمحورت حوله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في محاولة لفهم التيار العارم في الشرق الأوسط المعادي للأمركة Anti-Americanism، في خضم الحرب العالمية ضد الإرهاب، من خلال حرب طويلة لكسب القلوب والعقول، التي لا يمكن كسبها إلا من خلال "حرب المعلومات" وليس الحرب العسكرية ــ كما تقول ذلك دراسات أمريكية عدة ــ وهو ما عكسه بوضوح خطاب أوباما الأخير في أكاديمية وست بوينت West Point، وهي الفلسفة ذاتها التي توصل إليها جوزيف ناي في التسعينيات الميلادية تحت اسم "القوة الناعمة". وكنت قد توقفت في المقالة السابقة عند التقرير الخاص الذي رفعه إدوارد جرجيان لمجلس النواب الأمريكي، بشأن تقديم المشورة تجاه إيجاد منهجية أنسب للتعامل مع (والسيطرة على) المنطقة وشعوبها، المنطقة التي وصفت وفق عديد من الدراسات الأمريكية بأنها "الأكثر أهمية في العالم، التي يقطنها أكثر من مليار ونصف مليار مسلم"، هذا التقرير تم العمل عليه بناء على تعميد من الكونجرس، وطلب كولن باول وزير الخارجية آنذاك، أن يرأس الخبير دجرجيان Djerejian الفريق الاستشاري المكون من 13 باحثاً مختصاً، جرى تفريغهم خصيصاً للعمل على هذا التقرير، وليقوم هذا الفريق العلمي بالتعاون مع جهات بحثية أخرى بإجراء ومراجعة أكثر من سبعة أبحاث معمقة جرى العمل عليها على مدى عامين، ثم قام هذا الفريق بعد ذلك بزيارات ميدانية لمصر، سورية، تركيا، السنغال، المغرب، بريطانيا، وفرنسا، وأجرى نقاشات مرئية عن بعد ــ عبر الإنترنت ــ لنشطاء "مستقلين" وقادة رأي في كل من باكستان، وإندونيسيا، وليتوصل في نهاية المطاف لتقرير مهم، هو بمنزلة خريطة طريق، ليس لتفعيل "القوة الناعمة" الأمريكية الجديدة، بل لمجرد "البدء" بعملية التخطيط لها ــ فقط ــ لتحقيق الأهداف الاستراتيجية ــ بعيدة المدى ــ في منطقة الشرق الأوسط "الكبير"، وجاء هذا التقرير شاملاً مُركزاً في 81 صفحة قُدم في نهاية عام 2003 بعنوان "تغيير العقول .. اتجاهات استراتيجية جديدة للدبلوماسية الشعبية الأمريكية في العالم العربي والإسلامي"، ووصفه معدوه بأنه "يأتي في وقت حرج من تاريخ دولتنا"، وحيث قدم التقرير نصائحه في ثماني نقاط رئيسة، فقد جاء في مقدمها: الضرورة الملحة لزيادة الدعم المالي للدبلوماسية الشعبية في العالم العربي والإسلامي بشكل "دراماتيكي كبير"، واستقطاب المتخصصين المتمكنين من اللغة والثقافة المحلية في الدول العربية والإسلامية ــ بما في ذلك من هم من البيئة الثقافية ذاتها ــ وزيادة الإنفاق ــ بشكل كاف ــ على التواصل عبر الإنترنت، ومشاريع تقنية المعلومات التي تدعم سير الدبلوماسية الشعبية الأمريكية، كما تطرق هذا التقرير بشكل واضح لأهمية الأبعاد والمعايير الثقافية، التي تأتي العقائد والأفكار والديانة في مقدمها.
وإذا ما ربطنا هذا التقرير بدراسة أمريكية مهمة، أتت لاحقاً عام 2007 بعنوان: "الإخوان المسلمون المعتدلون"The Moderate Muslim Brotherhood، التي شددت على أن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين يمتاز بأنه: "المنظمة الإسلامية الأكبر والأقدم والأكثر اتساعا وتأثيرا في العالم"، ولنضع خطين تحت عبارة "الأكثر اتساعا وتأثيرا" التي تعني التغلغل والتحكم في المجتمعات العربية والإسلامية.
وقام الباحثون في هذه الدراسة بلقاء العشرات من قادة ونشطاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر، فرنسا، الأردن، إسبانيا، سورية، تونس، وبريطانيا، كما التقى في الفترة ذاتها إعلاميون وكتاب وباحثون أمريكان نشطاء هنا داخل السعودية عُرِفَ عنهم تبنيهم صراحة فكر جماعة الإخوان المسلمين ودفاعهم عنها، بل التقوا أبناء هؤلاء وبناتهم ممن أعمارهم ما بين (15 و25) سنة، باعتبارهم "الجيل القادم"، وكانت النقاشات في كل تلك المقابلات المعمقة تتركز حول "الديمقراطية، الجهاد، إسرائيل، العراق، الولايات المتحدة، وأي نوع من المجتمعات تسعى جماعة الإخوان المسلمين لإيجاده في العالم الإسلامي"، وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن جماعة الإخوان عبارة عن مجموعات محلية منتشرة في الأوطان العربية والإسلامية، وبالتالي فهي ذات خلفيات مختلفة، وهذه الفصائل المتنوعة الخلفيات ــ بحسب بيئات الدول الموجودة فيها والقادمة منها ــ مختلفة فيما بينها حول أفضل السبل للمضي قدما في مهمتها نحو إيجاد "المجتمع الإسلامي" المنصوص عليه في أدبيات الجماعة، وهذه الاختلافات مفهومة، حيث إن كل فصيل يمارس تكتيكاته التي تتناسب والبيئة المحلية والنسيج الاجتماعي والثقافي والديني الموجود فيه. إلا أن جميع قادة هذه الفصائل متفقون ــ بحسب الدراسة ــ على رفض مفهوم "الجهاد العالمي"، وذلك لعدم نجاعته في تحقيق هدفهم للسلطة، في الوقت الذي تعمل فيه جميع هذه الفصائل لخلق بيئة شعبية كبيرة داعمة لها، وإبراز قادة "روحيين" داخل هذه المجتمعات يكون لهم تأثير قوي في الجماهير، وأفكارها ووعيها ورؤاها، وليصبحوا هم "مصدر قوة الجماعة"، ثم السعي حينذاك باتجاه المطالبات بـ "الانتخابات الحرة، والحريات، والديمقراطية" كون "الأمة مصدر السلطات" كما تقول أدبيات الجماعة، كما تذكر الدراسة أنه لهذا السبب فإن جميع فصائل الجماعة تُبدي رغبتها وتطلعها لأن يكون الحكم في بلدانها عبر الصناديق مع احتضانها ميزات أخرى للديمقراطية، وانفتاحها على "التحالف مع العلمانيين، والوطنيين، والليبراليين" داخل مجتمعاتهم، بخلاف التيارات الدينية المتزمتة الأخرى. وهناك أيضا ــ بحسب الدراسة ــ تيارات داخلية كبيرة في التنظيم تتوق للتعامل مع الولايات المتحدة، بل إن جميع قادة ورموز التنظيم ــ تقريبا ــ يتطلعون إلى مثل هذا التعاون بينهم وبين الحكومة الأمريكية في سبيل تحقيق مصالح الطرفين. كما تذكر الدراسة أن كثيراً من المحللين يرى أن الجماعة تسلك طريق الانتخابات لمجرد وصولها إلى السلطة ثم بعد ذلك تُحكم سيطرتها "كما فعل النازيون والبعثيون والناصريون"، إلى أن قالت: "خاصة أنها ــ أي الجماعة ــ ترفع شعارها البراق: "الإسلام هو الحل" الأكثر عمقاً وجاذبية من "شعارات اليسار" التي انتشرت في حقبة ماضية". وختمت: "إن امتداد هذا التيار وعمله لعقود عدة أكسبه الخبرة السياسية ــ البراغماتية ــ ودفعت بكثير من الإخوان نحو الاعتدال. إنها فرصة بارزة للولايات المتحدة لتحقيق أهدافها" وأن تقدم "الدعم" و"التعاون" معها بحجة أخلاقية مسوغة: "نشر الحريات والديمقراطية، والانتخابات"! وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي