عبد العزيز الخويطر .. أستاذ الوزراء

عرفت معالي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر (يرحمه الله) حينما كان أمينا عاما لمجلس جامعة الملك سعود .. وكان أحد مصادري الإخبارية، حيث كنت حينها مندوبا لجريدة "المدينة" في مكتب الرياض، وكنت أرتاح كثيرا لزيارة ذلك الرجل الكبير علما ومقاما، والمتواضع بلا تصنع، فهو يستقبلني وأنا الصحافي المبتدئ كما يستقبل أستاذا في الجامعة .. لا فرق عنده في حرارة الترحيب والاحترام والاستماع الجيد، وهذه من صفات الكبار .. ثم بعد ذلك أحصل منه على خبر أو تصريح لا أحتاج إلى إعادة كتابته أو صياغته مرة أخرى في وقت لم يكن لآلة التسجيل أو الاختزال وجود في مهنة كانت بالفعل مهنة المتاعب .. على عكس ما هي عليه الآن!!
ولقد أكرمني بنشر صورة لي معه في أحد أجزاء كتابه (وسم على أديم الزمن)، وهو بهيئته نفسها التي عرف بها طوال سنوات حياته.. أناقة غير متكلفة وشخصية لا تتغير لتعكس ثبات مبادئه وأخلاقه وصفاته التي تميز بها. تلك الصفات التي كانت حديث المجالس طوال الأيام الماضية بعد وفاته (غفر الله له)، ولعل من أهم تلك الصفات ما شهد به مسؤول من أقرب الناس إليه وأطولهم زمالة له وهو معالي الشيخ محمد أبا الخيل الذي قال وأنا أقدم له العزاء (لقد كان ملتزما بالعدالة التي تعتبر من أهم القيم الإنسانية بعد الإيمان بالله، حيث كان يطبق القواعد على الجميع بعدالة متناهية يشهد بها كل من عرفه عن قرب)، وإضافة إلى ذلك يتصف الراحل الكبير بالجدية وحب العمل والبعد عن الأضواء والمظاهر، والنزاهة التي تصل إلى حد التقشف أحيانا. ويروى أن مدير مكتبه في وزارة المعارف أصر عليه أن يغير كرسيه المتهالك فوعده بأن يتغير الكرسي غدا وكان الوفاء بذلك بأن أحضر معه من منزله قطعة سجاد وضعها على الكرسي وقال لمدير المكتب (لقد أصبح جديدا). أما أوجه الصرف المفيدة للعملية التعليمية فلم يكن يتردد في دعمها والدفاع عنها أمام الجهات الأخرى ذات العلاقة، ويكفي وقفته مع المعلمين حينما شحت الأمور المالية في عام من الأعوام وجرت محاولة لتخفيض كادر رواتبهم .. فدافع ووقف للحيلولة دون ذلك لإدراكه أهمية المعلم الذي من المؤمل أن يكون الحلقة الأهم في برنامج تطوير التعليم، الذي دعم باعتماد مالي كبير أعلن عنه الأسبوع الماضي.
وأخيراً: لا أتفق مع من يقول إن الدكتور عبد العزيز الخويطر عميد الوزراء، فالعمادة تأتي بالأقدمية فقط كما هي عمادة السلك الدبلوماسي، لكنه أستاذ الوزراء، فلقد تعلم منه بعض الوزراء الجدد العمل الجاد والصمت والتواضع (وإن كانت الصفة الأخيرة تأتي بالفطرة لا بالتعلم)!!
ويبقى بعد ذلك همسة في أذن محمد بن عبد العزيز الخويطر وهي أن يسعى إلى تأسيس (مركز عبد العزيز الخويطر للتاريخ والوثائق الوطنية)، بحيث يبقى ذكر أول سعودي يحصل على شهادة الدكتوراه في علم التاريخ مرفوعا .. أما الوثائق الوطنية فهي حصيلة سنوات من عمله بالقرب من خمسة ملوك، والمؤكد أنه قد سجل خلالها وقائع مهمة عن مراحل تاريخية يهم أبناء هذه البلاد الاطلاع عليها، لمعرفة التحديات الكبيرة التي واجهت قيادتها وكيف تغلبت عليها، لأن في ذلك كثيرا من العبر والدروس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي