توقف مطبوعة .. واعتزال كاتب

أن تتوقف مطبوعة حديثة الصدور لتعثرها مالياً أو تحريرياً أو إدارياً فليس بالغريب ولا يؤسف عليها كثيرا، حيث لم ترسخ في أذهان القراء بعد لدرجة أن تصبح جزءاً من تاريخهم وذكرياتهم الجميلة، أما أن تتوقف مطبوعة عريقة مثل مجلة "اليمامة" فإن ذلك يترك ألماً وأثراً في نفوس جيل عاصر نجاحها وتألقها يوم لم يكن هناك من وسائل التواصل والنشر الثقافي إلا القليل .. ويكون الألم أكبر في نفوس من ارتبط نجاحها بأسمائهم من مؤسسها إلى رؤساء تحريرها ومحرريها وكتابها .. فهم يرون (محبوبتهم) في يوم من الأيام وهي مسجاة في غرفة العناية المركزة ولا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء للمساعدة على علاجها .. أما اعتزال الكاتب فهو يختلف كثيراً عن اعتزال لاعب كرة القدم الذي بلغ سن الثلاثين أو أكثر وجمع الملايين فقرر، أو لنقل فرضت عليه السن وضعف العضلات أن يرتاح .. بينما الكاتب بنضج قلمه ويزيد اتزانه كلما تقدم به العمر .. ولا أجد مبرراً لاعتزاله إلا شعوره بأنه (ينفخ في قربة مقطوعة) كما يقول المثل الشعبي فلا يجد من يحتفي بما يكتب والتفاعل مع ما يطرحه من آراء وأفكار وبالذات من المسؤولين وأصحاب القرار .. بينما يُحتفى بشكل كبير بمن يشاغب أو يجادل بغير الحق .. وما أكثرهم هذه الأيام!

ولذا فإني لا ألوم كثيراً الزميل العزيز والكاتب القدير سليمان المنديل حينما قرر الاعتزال .. مع أنني أثق بأن توقفه وأي كاتب جاد مثله عن الكتابة خسارة كبيرة لساحة الرأي التي تحتاج إلى كل قلم معتدل تتصف أطروحاته بالجرأة المحسوبة والصراحة المؤدبة والحس الوطني كما هي كتابات الزميل العزيز في أكثر من مطبوعة كان آخرها جريدة "الجزيرة" التي كتب نائب رئيس تحريرها الزميل فهد العجلان عن سليمان المنديل بما هو أهل له حيث وصفه "بالمتبحر في قضايا التنمية المتشابكة .. يستند إلى تجربة حكومية طويلة ومشاركة عميقة تلتها في القطاع الخاص"، وأضاف: "إن انسحاب كتاب يملكون المعرفة والخبرة والتجربة في نقاش قضايا التنمية يخلف فراغاً في الطرح الجاد الذي نحن في أمس الحاجة إليه".

وأخيراً: يخسر الوطن كثيراً حينما تتوقف مطبوعة اختلطت أحبارها بدماء الرواد من صانعي الفكر وقادة الثقافة في بلادنا .. وتخسر ساحة الرأي حينما يترجل فارس طالما خاض غمار قضايا التنمية بجرأة وإخلاص .. والمؤمل أن يستمر صدور مجلة "اليمامة" بأي شكل أو صيغة جديدة حتى لو تحولت إلى مجلة وثائقية (غير ربحية) تعنى بالدراسات والبحوث المتعلقة بتاريخ الجزيرة العربية وتدعم مالياً من مؤسسات البحوث العلمية بالاتفاق مع المؤسسة صاحبة الامتياز .. حيث من المهم أن يظل اسمها إلى جانب المجلات المحكمة في عالمنا العربي .. أما الكاتب سليمان المنديل فإن الكل يناشده، وأي كاتب متزن اعتزل من قبل، بالعدول عن قرارهم واعتبار توقفهم (استراحة محارب) يعودون بعدها للساحة بقوة لمعالجة كل مائل ومعوج في مجتمع يتلمس طريق الإصلاح في جميع المجالات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي