في الصيف .. يضيع كل شيء

نحن على أبواب موسم إجازات الصيف، الذي يقسمه شهر رمضان المبارك هذا العام إلى قسمين، ومع ذلك لم يتراجع من تصيبهم (هستيريا) السفر عن التنقل بين عدة بلدان في فترة قصيرة أو على الأقل يكتفون برحلة واحدة قبل أو بعد رمضان.. فبعض الزوجات يقلن لأزواجهن عند عودتهم من الجزء الأول لنترك حقائب السفر في الدور الأرضي فنحن راحلون بعد العيد مباشرة.. وتكون المصيبة (أهون) إذا كان هذا المفتون بالسفر قادرا ماليا، لكن المشكلة أن بعضهم يبدأ جولة بين البنوك للاقتراض بدواعي السفر وكأنه فرض لا بد أن يؤديه.. مع أن فرض الحج ربط بالاستطاعة.. شيء عجيب!
وبناء على ما تقدم ولأن السفر في الإجازة أصبح نوعا من أسوأ أنواع (التفاخر) التي أدت إلى تحمل الديون وإلى الطلاق بين الزوجين أحيانا فقد قدرت أعداد المسافرين من بلادنا سنويا لقضاء إجازة الصيف بنحو خمسة ملايين شخص وقدر إنفاقهم بنحو 60 مليار ريال.. وليست المبالغ المالية مهما تضخمت هي ما نخسره في الصيف بل تضيع أشياء كثيرة تتعدى مقولة (عمرو بن عمرو بن عدس) الطاعن في السن الذي تركته ابنة عمه الشابة لتتزوج شابا فقيرا ثم عادت لتطلب لبنا من إبله فقال لها: (في الصيف ضيعت اللبن) نحن نضيع في الصيف الأعمال، فأكثر الموظفين في إجازة والبقية الباقية ليس لها قرار، ولذا فإن عبارة (راجعنا بعد الصيف) هي الدارجة والمعتمدة.. وضيعنا أيضا ما هو أهم من الأعمال وهو الترابط العائلي.. فالابن يسافر غربا والبنت مع زوجها تسافر شرقا. ومن تبقى من أفراد الأسرة يبحث عن وجهة ثالثة هربا من حرارة الصيف الذي (تجف فيه الأنداء.. وتشكو يبوستها به الأشياء) كما قال شاعر المهجر إيليا أبو ماضي.
وأخيرا: أرجو ألا يفهم من مقالي أنني ضد التمتع بالإجازة والسفر، فكل شعوب العالم تسافر وتخطط لسفرها كل عام، ولولا ذلك لما اعتمدت دول عديدة في ميزانياتها على السياحة، لكنني فقط أدعو إلى عدم الإسراف والاقتراض لغرض السفر وإلى تنظيم أفضل لرحلاتنا السياحية سواء داخل بلادنا التي تملك من التنوع الشيء الكثير أو إلى بلاد الله الواسعة.. ومن هذا التنظيم وضع ميزانية معقولة للرحلة لا تعتمد على الاقتراض، وأن نعلم متى نسافر ومتى نعود ونتقيد بذلك بدلا من أن نعتمد على الرجاءات والتدخلات للحصول على الحجز المستحيل في ذروة السفر أو العودة.. كما أن الانتقال من بلد إلى آخر لمجرد التفاخر خاصة بين النساء والأطفال مرهق، حتى أن بعضهم يعود من الإجازة وهو في حاجة إلى راحة ونوم لمدة أسبوع.. بينما يتمتع الآخرون بإجازاتهم ويعودون وهم بمنتهى النشاط والحيوية؛ لأنهم ظلوا في مكان واحد ينامون ليلهم ويمارسون رياضاتهم ويضيفون إلى ثقافتهم الكثير في نهارهم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي