معالم الجودة في التجربة الكورية (2 ــ 5)

إكمالاً وامتداداً للمقال السابق في ذكر فوائد ومعالم الجودة والتميُّز المؤسسي التي اطلع عليها أعضاء اللجنة التنفيذية بمجلس الجودة بالمنطقة الغربية في زيارتهم التاريخية لكوريا الجنوبية في ضوء النقاط التالية:
• إن نجاح جهود تطبيق الجودة على المنتجات والخدمات يجب أن يسبقه ويرافقه نشر ثقافة الجودة بمختلف الوسائل بين العاملين في المنظمات وفي مختلف مستوياتهم الوظيفية وبصورة مستديمة ومتجددة دون كلل أو ملل. وهذا ما شاهدناه بوضوح في مناهج وجهود الشركات الكورية، فهي تعمل وتجاهد في هذا الباب وكأنها في بداية الطريق نحو مسيرتهم في تحقيق الجودة. ومما لاحظناه في الزيارة أيضاً اهتمام جميع الشركات الكورية بالشعارات المحفزة والموجهة للعاملين تجاه تعزيز وتبني وتطبيق مفاهيم الجودة، فمثلاً أولت إدارة الجودة في شركة هيونداي العريقة اهتماماً بالغاً لشعارات الجودة، فهي مثلاً تبنت مفهوم العالم كرسبي المثير "العيوب الصفرية للمنتج" كتوجه استراتيجي لإدارة الجودة، كما أنها وضعت في الممرات وبين المكاتب والأقسام لوحات جميلة ومتعددة تضم صور مشاهير علماء الجودة مع إبراز كلماتهم وتوجيهاتهم فيها، كما أنها وضعت في كل قسم لوحات كبيرة لتحفيز العاملين وتذكيرهم بأهمية الجودة.. كان منها ما يلي:
- الجودة أهم سلاح مؤثر يساعد على اكتساح سوق المنافسة بسلام.
- الجودة هي تجاوز توقعات العميل.
- الجودة تجعلنا نفخر بمنتجاتنا ومنظمتنا.
- طريق هيونداي هو طريق الجودة.
• إن التعليم الذي يؤثر في حاضر ومستقبل الأمم هو التعليم ذو الجودة، وبدونها تصبح العملية التعليمية وبالذات في وقتنا المعاصر كالنافخ في قربة مثقوبة ثقباً لا يلتئم. وإن مما تعلمناه من الكوريين الجنوبيين، الذين يتميزون بتعليم متميِّز متعارف عليه حول العالم، الاهتمام بمنظومة الجودة بصورة متكاملة لجميع عناصر العملية التعليمية من الأنظمة المتميزة والمدارس والمناهج والمعلمين المتميزين، وبالذات في المرحلة الابتدائية، حيث إن أفضل 5 في المائة من المعلمين هم الذين تسند إليهم مهمة تدريس المرحلة الابتدائية. كما أن التعليم في كوريا الجنوبية يتميز بعنصر مهم؛ ألا وهو اهتمام الوالدين بتعليم أبنائهم اهتماما حقيقياً وفعّالاً. ومن العجائب أن السبب الأكثر شيوعا لانتحار الشباب هو عدم قبولهم في الجامعات.
• إن نجاح الشركات في منتجاتها وعوائدها يجب أن يرافقه اهتمام صادق مستدام بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه مجتمعها وكوكبها الذي تعيش فيه، وهذا ما تتبناه الشركات الكورية بوضوح، فجميعهم قد تبنى المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الشامل في استراتيجياتهم وخططهم التشغيلية. ومن أهم مجالات واهتمامات المسؤولية الاجتماعية عنصر الاهتمام بالبيئة المحيطة، وهذا واضح جداً لدى الشركات الكورية، حتى أنها أبرزت بعض المصطلحات البيئية في شعاراتها الرئيسية وجعلتها بمثابة الأهداف الاستراتيجية لها؛ فهذه "سامسونج" تبنت مصطلح المدينة الخضراء لمجمع الشركة الرئيسي، كما أن شركة إل جي LG عززت مفهوم الاستخدام الآمن وتقليل الهدر في الطاقة، مع خلق بيئة أعمال خضراء من خلال إزالة التلوث البيئي. كما أن لديهم برامج كبيرة تسهم في تقديم خدمات التعليم والتنمية المجتمعية المحلية والدولية.
• أثبتت الشركات الكورية أن التركيز على اللغة الوطنية هو مرتكز رئيس لفهم العلوم وتطبيقها بنجاح وجعلها وسيطاً أساسياً لذلك، ومنها علم الجودة، وأما اللغة الإنجليزية فهي لغة التواصل مع الآخرين كما صرح بذلك غير واحدٍ ممن قابلناهم. ومما يدل على اهتمام الكوريين بلغتهم الأم التي لا يجيدها إلا القليل من الشعب الكوري اهتمامهم بترجمة الكتب إلى اللغة الكورية، ومن ذلك كتب الجودة؛ فهذا مدير الجمعية الكورية للجودة قد ترجم كتاب إلى اللغة الكورية معايير جائزة الجودة الأمريكية التي ترتكز عليها معايير جائزة الجودة الكورية في قرابة 600 صفحة. وهذا الاهتمام والتركيز على اللغة الأم هو للأسف ما فقدناه ونفتقده نحن أمة العرب مع لغة القرآن في عصرنا الحاضر!
• تميزت الجهود الكورية في نشر وتوطين مفاهيم الجودة وتطبيقاتها بالاستمرارية وعدم التراجع والصبر والمثابرة في تطبيق التجارب والمفاهيم العلمية. وأن التجارب التي خاضها الكوريون منذ قرابة 40 عاماً، نجح بعضها وفشل بعضها الآخر، ولذا يجب علينا كما ينبغي أن نستفيد من التجارب الناجحة أيضاً، ينبغي أن نستفيد من الإخفاقات التي واجهها الكوريون خاصة أننا ما زلنا في بداية الطريق نحو الجودة. ومما يستحسن ذكره هنا أن جائزة الجودة الوطنية الكورية ستحتفل العام المقبل بمرور 40 عاماً منذ انطلاقها دون توقف وهذا سر آخر من أسرار التفوق والإبداع الكوري.
• الإبداع والابتكار هو حصان السبق وفرس الرهان في سوق المنافسة العالمية اليوم بين المنتجات والخدمات المختلفة، ولذلك فإن الشركات الكورية ــ كما اطلعنا عليها خلال زيارة المجلس ــ قد عززت مفاهيم الإبداع والابتكار في سياستها وخططها الاستراتيجية، وهيأت البيئة المحفزة لجميع العاملين للإبداع وتقديم الأفكار الإبداعية. ومن الوسائل الفعالة التي تتبعها الشركات الكورية في زرع ثقافة الإبداع والابتكار ربط شعارات الشركات بهما كما فعلت شركة LSIS، حيث جعلوا شعارهم "المبتكرون الخضر للابتكار".
إن التطور التنموي الباهر والنمو الاقتصادي المتصاعد للأمة الكورية الجنوبية لم يأت عبثاً، بل نتج عن جهود كبيرة وأنظمة جادة ومتكاملة ارتكزت على الجودة بشموليتها في الفهم والتطبيق والمجالات، وهذا ما تم الإلماح إليه في ثنايا الفوائد والدروس المشار إليها آنفا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي