مدينة إعلامية

تصدمك المدينة الإعلامية في دبي بحجمها ومكوناتها والحياة التي تدب فيها. كل أنواع القنوات هنا، إخبارية وترفيهية وحكومية وخاصة. الكل يعمل هنا، ويبحث عن زيادة حصته من الجمهور عبر الأقمار المزروعة في كل ركن. غني عن القول أن 90 في المائة من هذه القنوات موجهة أو تعتمد على سوق المشاهدة السعودية في وجودها وتمددها وتطوير محتوى ما تبثه.
بنيت المدينة على الواقعية مثلها مثل كل ما في دبي، فهي تقدم ما يريده المشاهد، وتجد في القطار المحطات التي تهم الراكب، وخدمات الفندق هي ما يريده الضيف، وقس على ذلك الأسواق والجامعات والشواطئ. هل فكر المستثمرون في تغيير فكر المستفيد؟ بالتأكيد، لكنهم بنوا في الأساس على تحقيق الرغبات ومن ثم خلق وإشباع مزيد من الرغبات.
التعامل مع الواقع وخدمة رغبات الجمهور جعل المملكة أكبر حاوية لمواقع التسوق كبيرها وصغيرها. وانعدامه جعل قنواتنا المحلية أقل المحطات مشاهدة عدا نشرة أخبار يوم الإثنين التي تقدم لجزء من المشاهدين ما يرغبون في رؤيته.
تفشل مشاريع كثيرة في جذب الناس بسبب تعاملها مع جمهور غير موجود. الحدائق مثلاً غير مرغوبة، رغم ما يصرف عليها من الملايين، لأنها تتعامل مع أسرة ترغب في التنزه والتمتع بمشاهدة المساحات الخضراء، لكن أين هي هذه الأسرة. بينما تنجح "الشاليهات" لأنها تحقق رغبة الأسرة في الاستمتاع بالبحر بعيداً عن أعين الآخرين.
عندما تحدث رئيس هيئة الإذاعة والتلفزة السعودية عن إنشاء مدينة إعلامية في الرياض، أعادنا إلى المربع الأول. اهتمامات المدينة ستتجنب القنوات الإخبارية، وستتخلص من الأعمال الدرامية، بل ستكون مخصصة للموروث الشعبي السعودي.
يميل كثيرون إلى هذا الموروث ــ ولست منهم، لكنه لا يبني مدينة إعلامية تصرف عليها مئات الملايين. رأسمال هذه القنوات هو مكبرات صوت وكاميرات تتنقل بين الأعراس والاحتفالات و"المزاينات". أظن أنه لا بد من إعادة قراءة واقع الإعلام، والنظر بمنطق لما نشاهده حولنا من مغريات تدفع شبابنا وبناتنا لمتابعة قنوات بعينها. قنوات هاجرت لتبث من خارج الوطن، ولو أنها بين ظهرانينا لاستطعنا أن نكون منها حالة وسطية لا ضرر فيها ولا ضرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي