Author

رفع سن التقاعد

|
يشير التطور التاريخي لأنظمة التقاعد في معظم دول العالم إلى أن عمر التقاعد الافتراضي ارتفع مع ارتفاع معدلات العمر المتوقع. ولا تقل سن التقاعد في الدول المتقدمة بوجه عام عن 65 عاماً. وقد ألغى كثير من الدول خصوصاً الدول المتقدمة عمر التقاعد الإلزامي، وسمح للعاملين بالاستمرار في العمل ما دامت لديهم الرغبة والقدرة على الاستمرار في العمل. وتحمي أنظمة العمل في الدول المتقدمة كبار السن وتمنع التمييز ضدهم، من خلال وضع الضوابط التي تحد من قدرة المشغلين على إرغام كبار السن على التقاعد، إلا في بعض الأعمال الخاصة التي تتطلب مجهوداً معيناً. وتنص الأنظمة مثلا في المملكة المتحدة على منع التمييز بين العاملين على أساس العمر، وأنه لا يمكن إجبار كبار السن على التقاعد إلا إذا تم إيراد أسباب مقنعة لإحالتهم، بل وتعتبر الأنظمة أن التمييز بسبب السن من المخالفات التي ترتكبها الأعمال. ويذهب القانون البريطاني أكثر من ذلك في حماية كبار السن، حيث يمنح كبار السن حق المطالبة بمرونة مزاولة العمل. وتمنح مرونة مزاولة العمل المشتغلين الحق في العمل من البيت أو مرونة توقيت القدوم إلى العمل أو مغادرة العمل، ولصاحب العمل رفض منح المرونة في العمل إذا كانت هناك أسباب وجيهة تمنعه من ذلك. وتم في كثير من الدول تعديل سن التقاعد، وذلك للسماح لمن يرغب في العمل بالاستمرار في العمل، ولمساعدة صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية على مواجهة الارتفاع المتوقع في النفقات. ومن المتوقع في كل دول العالم تقريباً ارتفاع نسب شرائح كبار السن في إجمالي السكان، مما سيولد ضغوطاً متزايدة على صناديق التقاعد، وقد يصبح البعض منها عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته. ولهذا لا بد لأي دولة تنخفض فيها سن التقاعد من النظر بجدية في رفعها لتجنب إفلاس صناديق التقاعد مع مرور الوقت، وينبغي أن يتم هذا قبل وقت طويل من تجاوز نفقات صناديق التقاعد لإيراداتها. من جهةٍ أخرى، فإن السماح للمشتغلين بالاستمرار في العمل سيساعد العاملين على تحسين دخولهم ومستويات معيشة أسرهم، وسيكون أيضاً أحد العوامل التي تساعد على التصدي للفقر. وينزلق إلى شرائح الفقر كثير من كبار السن، وذلك بسبب تراجع الدخول الحقيقية لهذه الشرائح السكانية الناتج عن معدلات التضخم عبر السنوات، وقضمها مخصصات التقاعد التي يتلقونها. أما من الناحية الاقتصادية فإن إرغام الراغبين في العمل على تركه بسبب أنظمة التقاعد يحوِّل هؤلاء إلى طبقة عاطلة عن العمل، مما يخفض من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل، ويخفض النمو الاقتصادي. ويعتقد كثيرون أن ثقافة الإحالة إلى التقاعد ليست ثقافة سليمة، إذا كان العاملون قادرين على العمل وراغبين فيه. ولهذا لا ينبغي تشجيع فكرة إحالة العاملين إلى التقاعد، بل ينبغي حث الناس على مداومة العمل ما داموا قادرين على القيام به. ولا يوجد في شريعتنا الإسلامية ما يشير إلى تشجيع فكرة الخلود إلى الراحة، بل إن كل تعاليم ديننا الحنيف تطلب من الناس الاستمرار في العمل ما داموا أحياء. ويرغب كثير من المتقاعدين الاستمرار في العمل، ولكن تمنعهم الأنظمة في كثير من الأحيان من العمل. وقد وجد في استطلاع للعاملين في إحدى الدول المتقدمة أن نسبة كبيرة منهم تخطط للاستمرار في العمل بعد عمر 65 عاما، وترتفع نسبة الراغبين في العمل بعد 65 عاما مع ارتفاع عمر العاملين، حيث يرغب أكثر من ثلثي من تجاوز الـ 60 عاماً الاستمرار في العمل. وترجع الرغبة في الاستمرار في العمل إلى الحاجة للحفاظ على مستويات دخل معينة، حيث لا تكفي مخصصات التقاعد في العادة للوفاء بكثير من احتياجات المتقاعدين، ولا تعوضهم عما فقدوه من دخل. ويساعد تحسن الظروف الصحية في معظم دول العالم كثيرا من كبار السن على الاستمرار في العمل، كما يستفيد العاملون الذين يستمرون في العمل بعد 65 عاماً من تغطية العمل الصحية الإضافية. ويشجع وصول العاملين لمستويات وظيفية جيدة وتحقيق نجاحات وظيفية كثيرا منهم على الاستمرار في العمل، خصوصاً أن كثيرا منهم يحاول تحسين مهاراته الوظيفية والحفاظ عليها عند مستويات جيدة. ويشير كثير من الدراسات إلى أن العاملين يصلون إلى قمة إنتاجيتهم عند سن متأخرة، خصوصاً في الأعمال التي لا تتطلب مجهودات عضلية أو قوة بدنية. ولا تتطلب معظم الأعمال قوى بدنية قوية، حيث تمت ميكنة معظم الأعمال التي تتطلب مجهودات عضلية. ويقل عمر التقاعد في المملكة عن المعدل العالمي بكثير، حيث يبلغ 58 عاماً ميلادية، ولهذا ينبغي رفعه ليكون قريباً من المستويات العالمية.
إنشرها