احتجاز الكربون أخيرا يحرز بعض التقدم
على مدى الأشهر القليلة الماضية أحرزت تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه بعض التقدم الذي طال انتظاره. إن هذه التقنية هي إحدى الركائز التي حددها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC التي يمكنها أن تسهم إسهاما كبيرا في تخفيف النمو في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة المتجددة، والطاقة النووية وتحسين الكفاءة. كثيرا ما توصف هذه التقنية في الأدبيات العلمية بأنها التقنية التي تجسر المسافة بين الاقتصاد الذي يعتمد على الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وقعت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركة مصدر التابعة لها اتفاقا للمضي قدما في مشروع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون من مصنع للصلب، وهو أول مشروع احتجاز للكاربون من قطاع الصناعة على نطاق واسع في العالم.
وفي شباط (فبراير) من هذا العام، تم في اسكتلندا منح تمول لتصميم مشروع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون من محطة توليد كهربائية تعمل بالغاز، يعتبر هذا المشروع واحدا من مشروعين لاحتجاز الكربون وتخزينه في المملكة المتحدة. هناك أيضا مشروعان على وشك البدء بالعمل لاحتجاز الكربون من محطات توليد الطاقة الكهربائية تعمل بالفحم، الأول يعرف "سد الحدود" في مقاطعة ساسكاتشوان الكندية من المقرر أن يبدأ بالعمل في هذا الشهر؛ والثاني في مقاطعة كمبر، ميسيسيبي، في الولايات المتحدة من المقرر أن يتم الانتهاء منه بحلول نهاية هذا العام.
في السنوات الأخيرة تخلفت تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه عن مصادر الطاقة المتجددة، حيث إن الانخفاض الحاد في تكلفة الطاقة الشمسية وإلى حد أقل طاقة الرياح، جعلها أكثر جاذبية مع تصاعد تكاليف محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم الحجري. كما أن ارتفاع إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة قوض من اقتصاديات محطات توليد الطاقة حتى التقليدية العاملة بالفحم الحجري.
لقد اجتذبت تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه معارضة شديدة من بعض الجماعات المدافعة عن البيئة، لكن معظم المعاناة كانت من الحجم الكبير والتكاليف العالية للمشاريع، فضلا عن عدم وجود أسعار قوية للكربون تدعم اقتصاديات المشاريع. إن مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون الجديدة في أبوظبي، وكندا والولايات المتحدة، تعتمد جميعها على بيع غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتجز إلى مشاريع تعزيز استخراج النفط.
على الرغم من ذلك، هذه المشاريع الكبيرة تعتبر مهمة لأربعة أسباب. أولا، مشاريع احتجاز الكربون حتى الآن تعتمد على تخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتجز من معالجة الغاز الطبيعي، مثل المشروع الرائد سليبنر النرويجي في عام 1996. في حين أن الموجة الجديدة من المشاريع سوف تظهر كيفية عمل تقنية احتجاز الكربون من محطات الطاقة العاملة بالفحم والغاز، ومن قطاع الصناعة، ما قد يساعد على إنشاء قاعدة واقعية للتكاليف.
ثانيا، سوف تختبر هذه المشاريع ما إذا كان بالإمكان، وكيف تنال هذه التقنية رضا الرأي العام. إن المشروع الاسكتلندي يتضمن حقن غاز ثاني أوكسيد الكربون في تراكيب تحت سطح البحر بعيدة عن اليابسة، ما يجعله أقل إثارة للمشاكل.
ثالثا، هذه المشاريع سوف تنشئ نماذج تجارية حيث مرافق الطاقة وشركات النفط، وهما من قطاعين مختلفين كثيرا، سوف يتعلمون العمل معا. ورابعا، سوف تعمل هذه المشاريع على خفض تكاليف مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه المستقبلية، من خلال الحصول على خبرة بناء وتشغيل المشاريع الكبيرة.
مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون من قطاع توليد الطاقة قد تبدو مكلفة، لكنها سوف تكون قادرة على المنافسة مع مشاريع الطاقة النووية الجديدة، خلافا لمعظم مصادر الطاقة المتجددة، هذه المشاريع ثابتة وموثوق بها. كما أن بعض التقنيات الحديثة قد تسهم أيضا في خفض التكاليف، مثل تقنية حرق الوقود في الأوكسجين النقي أو تقنية فصل غاز ثاني أوكسيد الكربون باستخدام الأغشية التنافذية. كما أن تقنية تحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى معادن صلبة سوف يهدئ من المخاوف بشأن التسرب من مكامن التخزين تحت الأرض، وربما يخلق أيضا مصادر جديدة للدخل.
إضافة إلى ذلك، الإجراءات التنظيمية الأخيرة خلقت بعض الحوافز التجارية لاستخدام تقنيات احتجاز الكربون، إن الأنظمة الجديدة المقترحة من قبل وكالة حماية البيئة الأمريكية حول معايير الانبعاثات لا تسمح ببناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم الحجري من دون أن تكون مزودة بتقنية احتجاز الكربون. إن انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الولايات المتحدة قد انخفضت بشكل لافت إلى أدنى مستوى لها منذ عام، حيث إن الغاز الطبيعي الرخيص نسبيا قد أزاح الفحم من محطات توليد الطاقة، لكن هذا الاتجاه سوف لن يستمر إلى ما لا نهاية من دون اتخاذ المزيد من الإجراءات.
في حين أن المشكلة في الاتحاد الأوروبي معاكسة تماما، حيث إن الغاز الباهظ الثمن والتخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية في ألمانيا أجبر دول الاتحاد على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة المكلفة أيضا ومحطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري الأكثر تلوثا. في هذا الجانب تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن استخدام تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه يمكن أن يخفض من تكاليف تحقيق أهداف المناخ العالمية بنسبة 70 في المائة.
إن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن موارد الغاز الطبيعي العالمية وفيرة للغاية، نحو 7300 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إضافة إلى 6600 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز التقليدي، هذه الموارد كافية لأكثر من قرن من الزمن حسب مستويات الأستهلاك الحالية. مع هذه التقديرات الكبيرة، الغاز الطبيعي قد لا يكون فقط مجرد جسر على المدى القصير إلى مستقبل طاقة متجددة، لكن مع تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه يمكن أن يكون الغاز هو الوقود المستقبلي أيضا في مجال توليد الطاقة.