الأمن الوطني .. والدبلوماسية الشعبية
يتفق العديد من الباحثين على أن الدبلوماسية الشعبية عنصر فاعل جداً في تحقيق الأمن الوطني، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. إذ إن كثيراً من الأحداث على الساحة الدولية يسهل فهمها والتعامل معها من خلال معرفة وجهة نظر الآخرين تجاهك وتجاه دولتك .. كيف يتصورونكم وينظرون إليكم؟
لا شك أن هذا هو التحدي الأكثر أهمية للدبلوماسية الشعبية، فبدون عمليات الفهم، والتمهيد والتهيئة، للرأي العام الإقليمي والدولي، بل حتى المحلي، لبعض القرارات والمواقف السياسية، خاصة تلك التي توسم بأنها حاسمة وحرجة Critical Decision، فقد يترتب على بعض هذه القرارات أو المواقف أو التصريحات آثار سلبية. وقد تكون هذه الآثار السيئة إما نتيجة لسوء الفهم والتفسير أو بسبب صورة ذهنية سلبية قابعة في الأذهان أو بسبب دعاية مغرضة.
تقول جوديث مكهيل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية – السابقة - لشؤون الدبلوماسية الشعبية: "في عالم وسائل التواصل الاجتماعي - كـ "تويتر" "فيسبوك" - إذا لم تقم بتوفير السياق أو الإطار العام لما تفعله سيأتي آخرون يفسرون للناس عملك" وفق ما يريدون هم أو وفق ما يتصورن. وبالتالي فإن ضرورة التواصل مع الشعوب –في الخارج والداخل- لتفهم وجهات النظر، وتوصيل شرح أفضل عن سياسات بلدك، فإن ذلك كله يلعب دوراً مهماً في تعزيز الأمن الوطني. وهنا يبرز دور تلك التحديات السياسية الإقليمية والعالمية التي لا يمكن حلها إلا من خلال إطار تعاوني مع الشعوب في هذه المنطقة أو تلك. هذه التحديات تتطلب تعاضد المواطنين وتكاتفهم خلف دولتهم، وإعادة كسب شعوب الدول الأجنبية، ليكونوا في صفنا. فالدولة وحدها في هذا العصر –أياً كانت- ليس لديها لا القدرة ولا الموارد الكافية لتحقق –وحدها- الأمن الوطني. فهم هذه النقطة مهم وحتمي. وعلى الدولة -حكومة وشعباً– مهما امتلكوا من قوة، معرفة هذه الحقيقة.
وحيث إن الحوار –كما أسلفت في مقالات سابقة- هو أُس الدبلوماسية الشعبية وأداتها لتحقيق الأهداف والنتائج المرجوة؛ فإني أشدد هنا على أن حوار الدبلوماسية الشعبية قائم على ثلاثة مرتكزات أساسية، هي كما أوردها المختصون كالتالي:
- المصداقية والإقناع: في عرض قيم ورؤى وصوت الدولة - حكومة وشعباً - للعالم، وبالطرق التي تتلاءم مع الشعوب المختلفة وثقافاتها المتنوعة.
- الحوار والإنصات الجيد: ويكمنان في قلب العملية الدبلوماسية الشعبية.
- المشاركة النشطة الموازية من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية: وهو مطلب ضروري لتدعيم المصداقية، وهنا يأتي الدور الأساس للمواطن الفرد المتسم بالوعي والحس الوطني، إضافة طبعاً إلى مشاركة وسائل الإعلام، والأدباء، والفنانين، ورجال الدين، ورجال الأعمال، والمنظمات الخيرية غير الربحية.
وحيث إن الحوار الجيد والفاعل في الدبلوماسية الشعبية هو الحوار المتوازن؛ فهو إذن – كما قال (ماتزويك): "وسيلة مهمة لتعزيز (الشورى أو الديمقراطية) والحكم الرشيد والأمن والاستقرار الاقتصادي في جميع أنحاء العالم".
وهنا يحضرني تساؤل الباحث ماثيو ويلن عما إذا كانت الدبلوماسية الشعبية في حد ذاتها هي الحل الوحيد الذي يحقق الأمن الوطني؟ والجواب أنقله عنه حرفياً: "لا، لكنها بالتأكيد عنصر حيوي في تطوير حلول شاملة تعالج التحديات الأساسية بحيث تتم مواجهتها بشكل مشترك من قبل شعوب العالم".
- رسالة على الخاص: لاحظ شركائي في "تويتر" إطالتي في المقالات، وامتثالاً لطلبهم أختصر، وأعدهم بمزيد من الاختصار. فشكراً لهم على ملاحظتهم القيمة.