شركة الاستثمارات الصناعية منعطف مهم في مسيرة الاقتصاد السعودي
في عام 1430هـ وافق مجلس الوزراء على الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي حملت رؤية بناء صناعة منافسة عالمياً تقوم على الإبداع والابتكار وأداة أساس في تحويل الموارد الوطنية إلى ثروات مكتسبة مستدامة. وفي هذا الطريق الذي رسمته حكومة خادم الحرمين الشريفين، وافق مجلس الوزراء، قبل أسبوع، على الترخيص بتأسيس الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية كشركة مساهمة سعودية، يبلغ رأسمالها ألفي مليون ريال سعودي، يؤسسها كل من صندوق الاستثمارات العامة، وشركة أرامكو وشركة سابك. فالدولة - حفظها الله - تؤكد يوماً بعد يوم أنها تسير في طريق التنمية المستدامة من خلال تنويع مصادر الدخل، والارتكاز في ذلك على الصناعة كخيار استراتيجي، نظراً لما تتمتع به المملكة من ميزات تنافسية متعددة منها: الموقع الجغرافي وتوفر المنتجات الأساسية التي رسخت المملكة أقدامها فيها منذ سنوات طويلة، فقد نص القرار على أن يكون من بين أهداف الشركة الجديدة استغلال المنتجات الأساسية والاستفادة من الشركات الاستراتيجية، لبناء صناعات تحويلية وصناعات مساندة على أسس تجارية.
فلقد تمكنت المملكة طوال سنوات من إيجاد شركات كبرى لبناء صناعة راسخة في المنتجات الأساسية، مثل البتروكيماويات والبلاستيك والأسمدة والحديد والصلب والألمنيوم، إضافة إلى منتجاتها في الطاقة. لكن المملكة لم تزل تعاني فجوة صناعية في جانب الصناعات التحويلية، وهي تلك الصناعات التي تستخدم المنتجات الأساسية كمدخلات وتقوم بإعادة تصنيعها إلى منتجات أخرى يمكن استهلاكها إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، ولأن الهدف هو التنوع الصناعي وإيجاد فرص عمل ضخمة وتنمية مستدامة آمنة فإن من لوازم ذلك عدم التأثير في القطاع الخاص السعودي الفتي، ولذلك فإن الشركة الجديدة ستعمل في تلك الصناعات التي تحتاج إلى رأسمال ضخم جداً، إضافة إلى تحمُّل مخاطر تسويقية كبيرة لا يستطيع القطاع الخاص وحده تحمُّلها، ولذلك فإن الشركة الجديدة تستهدف القطاع الملاحي، وقطاع معدات الطاقة والمياه والكهرباء، وقطاع معدات صناعة النفط والغاز، وقطاع السيارات، وذلك من خلال 20 مشروعاً في السنوات الخمس الأولى من التأسيس، تقدر تكلفتها الاستثمارية بـ 7.4 مليار ريال.
كما أن هذه الشركة الحلم، ستوجد منفذاً تسويقياً مهماً لشركات الصناعات الأساسية مثل "سابك" و"معادن"، فالشركة ستدخل كمشترٍ صافٍ، وتقوم بتحويل تلك المنتجات إلى منتجات نهائية، وهذا سيمكن شركات الصناعات الأساسية من ترسيخ أقدامها أكثر كلما نمت، ونجحت الشركة الصناعية الجديدة في اقتحام الأسواق. وفي المقابل، فإن الشركة الصناعية الجديدة ومن خلال مشاريعها المختلفة ستحصل على ميزة تنافسية مهمة، فمصادر المواد الأساسية قريبة جداً، ما يخفض تكاليف الإنتاج بقيمة الانخفاض في تكلفة النقل وتكلفة التأمين والتخزين، وهذه الأخيرة مهمة جداً، فلقد نجحت الصناعات اليابانية في اقتحام الأسواق العالمية من خلال ابتكار نموذج Just-in-Time في تخفيض تكلفة المخزون إلى مستويات قياسية، مع أن مصادر المنتجات الأساسية لديها ليست قريبة مثلما هي الآن متوافرة للشركة الجديدة، فاستخدام مثل هذه الأساليب سيمنح الشركة ميزات كبيرة على المنافسين العالميين ويمكنها من اقتحام الأسواق من خلال تحقيق معادلة الجودة والسعر المنخفض وهو سر نجاح إلى صناعة اليوم.
من المنتظر أيضا أن تتمكن هذه الشركة من إيجاد فرص واسعة للعمل وللبحث والتطوير، وبشكل عام فإن إنشاء الشركة بحد ذاته يعد منعطفاً اقتصادياً مهماً في مسيرة الاقتصاد السعودي لا يقل أهمية عن تلك المنعطفات الكبرى التي حققها الاقتصاد مع إنشاء شركة أرامكو أو مع إنشاء شركة سابك.