«الحوار الوطني» في مجتمعنا المحلي

هل أصبح النقاش والتعليق للمعطيات الراهنة على شبكات التواصل الاجتماعي في وقتنا الراهن محور رئيس للتعرف على النبض والتفاعل - قبل الطرح والفكر - في واقع التقييم لمفهوم وثقافة وتطبيقات "الحوار" العربي والخليجي وكذلك المحلي لمختلف الهواجس والاحتياجات والتطلعات والتحفظات.
الإسلام هو النهج والتشريع والحضارة عند مختلف شرائح هذا المجتمع العربي والمحلي المتسارع في نسق البحث عن التقارب وتوافر البيئة الملائمة والداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته بما يتناغم مع محاور المصلحة العامة والمحافظة على الوحدة واللحمة الوطنية ومعالجة القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" فالحوار في هذا السياق ظاهرة إنسانية عالمية وضرورة حياتية عطفا على التفاوت البشري في العقول والأمزجة، كما أن الحوار التربوي في السنة النبوية هو أسلوب تعليمي استخدم فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - الأسئلة وإجاباتها بهدف إثارة الذهن "العصف الذهني" ومن ثم الوصول إلى الحقائق المتفق عليها والتي لا تقبل الشك أو الجدل في واقع مخرجات هذا الحوار عطفا على القيمة التربوية في السنة النبوية (الرفق، التواضع، الصبر، حسن الاستماع، التيسير)، كما أن ضوابط حوار المجتمعات والحضارات في المجتمع الإسلامي تدور في فلك (تحديد الهدف من الحوار، اتفاق المتحاورين على معنى الحضارة، التعهد المسبق بالالتزام بنتائج الحوار، الاتفاق والمفاهمة المبدئية حول النقاط الأساسية لموضوع الحوار، قبول النقد العلمي الموضوعي، التزام الواقعية والتوازن في الأطروحات والنتائج، توافر الإمكانات والأهلية العلمية والتربوية للمتحاورين، توثيق مراحل الحوار ونتائجه).
المتابع لرسالة ورؤية وطبيعة المهام والنتائج لواقع مراكز الحوار الوطني في مجتمعنا المحلي يتفهم ويثمن الإطار العام لتكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري وكذلك في واقع الرغبة في تعزيز وتطوير قنوات التواصل والحوار الفكري الهادف بين أفراد المجتمع ومؤسساته وترسيخ مفهوم الحوار ونشر ثقافته في المجتمع ليصبح أسلوبا للحياة ومنهاجا للتعامل مع مختلف القضايا بما يعكس الالتزام والاعتزاز بالدين الحنيف، توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، بلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل المخرجات على أرض الواقع في المنتديات والمؤتمرات ذات العلاقة بمحاور الخطابات الثقافية وكذلك في لجان الحوار الشبابية.
ولكن ماذا عندما يرتفع سقف الطموح والتفاؤل عند المجتمع المحلي بمختلف شرائحه العمرية والفكرية والتربوية ويتفاوت في تلمس وتفعيل النتائج العملية لرسالة ورؤية وقيم وأهداف مراكز الحوار الوطني؟ فالواقع كما يراه البعض ما زال ينشد تكامل التناغم المجتمعي -وقبلها الفهم والإدراك- لمضمون واستراتيجية خطة عمل هذه المراكز، فعلى سبيل المثال تجد أن البعض يعتقد أن مراكز الحوار الوطني ذات علاقة بطرح المواضيع الحقوقية وأنها قد تحل أو تعالج الحقوق المدنية أو حقوق المرأة، بينما يذهب البعض في الاعتقاد على أساس أنها قد تكون مناخا مناسبا للتجاذبات الفكرية؟ كما يستفهم البعض صراحة: هل حققت هذه المراكز في عرف المخرجات -الأهداف القيادية والاستراتيجية العليا- وتناغمت عمليا وعلى أرض الواقع مع جدية وطموح هذا التوجه؟
كما يتحفظ البعض في هذا السياق أيضا على "قصور" الدور الإعلامي التثقيفي للمفهوم والأهداف في برامج القنوات الفضائية الرائدة في مجال الإعلام أو ذات العلاقة، بهدف التنويه المتزامن مع تسارع ونوعية التقنيات الإعلامية بأهمية الوعي والمشاركة والتفاعل والتمثل بالقيم المنشودة على اعتبار أن مراكز الحوار الوطني "نواة حاضنة" للتقريب بين وجهات النظر السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والحضارية والثقافية.
وحيث إن مفهوم وثقافة "الحوار" بصفة عامة يسمحان ويرحبان بهامش العصف الذهني ومعه الحرية في الرأي والشفافية في الطرح وينشدان المشاركات الهادفة في نهج التطوير بهذا التوجه الحيوي لبناء وغرس روح التقارب والتفاهم والارتقاء بواقع فكر وسلوكيات المجتمع بعيدا عن مظاهر التعصب والتنافر والاختلاف والتأثر بالمعطيات وتداعيات الظروف المحيطة أو القريبة من هذا الوطن الغالي، أتقدم في هذه العجالة ببعض المقترحات ذات العلاقة: (التوسع في تفعيل دور الإعلام في غرس المفهوم والثقافة والتطبيقات لدور المراكز وكذلك عن المهام المطلوبة للتفاعل من مختلف شرائح المجتمع في القنوات الفضائية - إضافة إلى القنوات الرسمية - ذات الريادة في المتابعة عند مختلف شرائح المجتمع المحلي، المشاركة بمختصين وخبراء من مراكز الحوار الوطني يتناولون بصفة دورية متقاربة المشكلات الاجتماعية -وفي حجم إطارها الطبيعي- من خلال هذه القنوات الفضائية أو غيرها من القنوات والوسائط الاجتماعية، تبني بعض المناسبات الوطنية كما هو الحال مثلا في "اليوم الوطني" بحيث يتم استهداف وتشجيع شريحة الشباب وصغار السن على الحضور والتفاعل والتمثل بمهام أو أنشطة تجمع بين الترفيه وتحقيق الأهداف والقيم، التوسع في استحداث مرافق وفروع لمركز الحوار الوطني في مختلف المحافظات والمدن الرئيسة مع توافر الإمكانات والدعم المادي وكذلك الكفاءات والخبرات الوطنية للعمل الرسمي والتطوعي، المطالبة والمتابعة لواقع المشاركة من القطاع الخاص لواجبه الوطني والاجتماعي "المسؤولية الاجتماعية" من خلال المشاركة والتبني للمناسبات والدورات التدريبية وورش العمل في هذا الخصوص، التوثيق والتعريف بمختلف المنظومات والمؤسسات وكذلك "الأفراد" الفاعلين في خدمة تطبيقات وبرامج وثقافة الحوار الوطني ومنح الشهادات أو بعض الامتيازات والعلاوات المهنية).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي