تاريخ الصحافة السعودية .. مرحلة الشركات المساهمة العامة
في هذه الأيام من كل عام تعقد الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحافية في المملكة اجتماعاتها العادية، ومع انعقاد الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحافية يطالب أصحاب الصحف الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة بأن تضطلع وزارة الثقافة والإعلام بإصدار نظام جديد للصحافة بدلاً من النظام القائم الذي لم يعد ملائماً للعصر الذي يعيشه الإعلام السعودي المتوثب.
ولعل أهم التغيرات التي يطالب بها أصحاب المؤسسات الصحافية التحول من نظام المؤسسات، الذي أصبح معرقلاً لطموحات الصحافة السعودية، إلى نظام الشركات المساهمة العامة.
ويقول أصحاب الصحف إن الفكرة من التحول إلى الشركات المساهمة العامة هي توسيع إمكانات البحث عن موارد جديدة لتحقيق المزيد من الدخل الذي بدأ الإعلام التفاعلي يتهددها ويسبب انخفاضاً ملحوظاً في معدلات التوزيع، كما أن نظام المؤسسات الصحافية يعرقل حركة الأسهم، ويمنع دخول الأعضاء وخروجهم من سوق مقفلة على عدد محدود من الأعضاء، وبالتالي يمنع مالكي الأسهم من حرية بيع وشراء أسهمهم في المؤسسات الصحافية.
إن هذا الانغلاق في المؤسسات الصحافية من شأنه أن يجعل المؤسسات الصحافية في معزل عن النشاط الاقتصادي الحر، ويؤكد أصحاب الصحف أنه من غير الملائم في عصر الإعلام الرقمي أن تمنع الصحف من الدخول إلى أسواق الأسهم أسوة بكل شركات الصحف في كل أنحاء العالم، ويؤكدون أن الوقت قد حان لتحويل المؤسسات الصحافية إلى شركات مساهمة عامة تجوب أسواق النشاط الاقتصادي الوطني بعيداً عن قيود لا مبرر لها.
ويتوقع أصحاب الصحف أنه إذا حدث هذا التغيير فإن مكررات الأرباح لشركات الصحافة ستبلغ مستويات معيارية، وستتمكن هذه الشركات من النهوض بالصحافة الوطنية إلى أرفع مستوى بدلاً من الاقتراب من دوائر الإفلاس.
في عام 1963 صدر نظام المؤسسات الصحافية، ثم جدد النظام في عام 2001 في ثلاثين مادة، ونص على انتخاب مجلس إدارة لإدارة المؤسسة جنباً إلى جنب مع الجمعية العمومية، كذلك نص على زيادة رأس المال.
نعرف جميعاً أن الذي يحكم الصحافة السعودية نظامان: إداري وتنظيمي، وهو نظام المؤسسات الصحافية، ورقابي وسياسي وهو نظام المطبوعات والنشر، والنظامان ـ بصيغتهما الحالية ـ لا يصلحان البتة لإدارة صحافة تجاوزتهما في التطبيق وتعاملت مع مستجدات عصر تكنولوجيا المعلومات والعالم الافتراضى بشيء من الحرفية والإتقان.
إن نظام المؤسسات الصحافية أصبح غريباً على الصحافة السعودية سواء من ناحية التقنية والمهنية التي باتت الصحافة تستخدمها، أو من الناحية التنظيمية والإدارية التي أصبحت تتقدم كثيراً عن النصوص التقليدية البسيطة التي يطالب بها النظام.
والمؤسف أن نظام المؤسسات الصحافية القائم لم يحسم كل القضايا التي تعرض لها، بل مسك العصا من المنتصف، ونذكر ـ على سبيل المثال ـ أن نظام المؤسسات الصحافية لم يحسم رأيه في هوية المؤسسات الصحافية، هل هي شركات تضامنية، أم شركات ذات مسؤولية محدودة، أم شركات مساهمة محدودة؟ فهي يمكن أن تكون كل هذه الشركات مجتمعة، ويمكن أن تكون أيا من هذه الشركات، أمّا أعضاء المؤسسات الصحافية فهم ليسوا منتخبين ولامعينين، بل هم معلقون بين هذا وذاك، وكذلك فإن رؤساء التحرير والمديرين العامين ليسوا منتخبين ولا معينين ولا حتى مختارين، بل هم جزء من كل هذه المصطلحات، كما أن النظام يعطي الحق لأصحاب الحق في الحصول على الأرباح، لكنه في الوقت نفسه ينزع منهم هذا الحق ويقول إن الربح ليس هدفاً في ذاته.
ولا يمكن أن نتصور في العصر الاقتصادى الدولي الذي نعيشه أن مؤسسات إعلامية عملاقة ليس هدفها الربح، إنما هدفها أداء الخدمة كالمؤسسات الخيرية والتطوعية.
ولنا أن نتخيل قبل ذلك وبعده أن الصحافة الإلكترونية التي أصبحت صحافة مجلجلة وتتقدم بخطى ثابتة أو تتقدم لتهدد وجود الصحافة الورقية لا يغطيها نظام المؤسسات الصحافية البتة، بمعنى أن نظام المؤسسات الصحافية لا يتناول الإعلام الإلكتروني لا من بعيد ولا من قريب وكأن الأمر لا يعنيه، علماً أن المقصود بالإعلام الإلكتروني هو كل ما نقرأه ونسمعه ونشاهده عبر الإنترنت وكل وسائل التقنية الحديثة، وما حدث أن وزارة الثقافة والإعلام أصدرت أخيرا لائحة ملحقة بنظام المطبوعات والنشر، وهذه اللائحة تم تجديدها في محاولة لتغطية هذا النشاط الخارق الذي تتصدره في هذه الأيام الأندية السماوية مثل "فيسبوك" و"تويتر".
كذلك لم يتعامل نظام المؤسسات الصحافية مع الجمعية العمومية على أساس أنها جهة رقابية وتوجيهية في المؤسسات الصحافية، حيث اختصرت المادة (8) وظائف الجمعية العمومية في رسم السياسة العامة للمؤسسة واختيار مجلس الإدارة وتعيينهم، ولم يذكر النظام الانتخاب، بل استخدم مصطلحي الاختيار والتعيين، وفي التطبيق فإن الجمعيات العمومية لا ترسم السياسة العامة ومعظم المؤسسات الصحافية لم ترسم لها سياسة عامة ولا تنتخب أو تعين أو تختار رئيس التحرير كما نص النظام.
أمّا ما يتعلق بمجالس الإدارات فإن المادة (10) أعطت مجلس الإدارة ما سبق أن أعطته للجمعية العمومية، ومن ذلك أعطى النظام للجمعية العمومية حق اقتراح وإصدار اللوائح الداخلية، وفي الوقت نفسه منحته لمجلس الإدارة، كما أن النظام أعطى الجمعية العمومية حق اختيار رئيس التحرير، وفي الوقت نفسه منح النظام مجلس الإدارة الحق نفسه، والأدهى من ذلك أن مجلس الإدارة بحنكته اللئيمة ينتزع من الجمعية العمومية في أول اجتماع للجمعية بعد الانتخاب تنازلاً عن كل اختصاصاتها، ويصبح من حق مجلس الإدارة أن يقوم بكل الوظائف التي كان يجب أن تقوم بها الجمعية العمومية، ولذلك يصبح اجتماع الجمعية العمومية السنوي اجتماعاً بروتوكولياً لنادي المهمشين، كما أن النظام أشار إلى تشكيل هيئة للصحافيين ووصفها بأنها هيئة مستقلة، وهي في الواقع ليست كذلك.
كل هذه الملاحظات على نظام المؤسسات الصحافية تحتم على وزارة الثقافة والإعلام أن تتحرك باتجاه أحد أهم النشاطات الثقافية والتنويرية في ظل ظروف سياسية واقتصادية وإعلامية تستوجب وضع المؤسسات الصحافية في قلب اقتصاديات تقنية المعلومات لا في هامشها.