المسرح الحزين

فرضت ظروف ثقافية واجتماعية النظرة للمسرح في بلادنا على أنه ثقافة دنيا في عالم يعتبر فنون المسرح رأس حربة الثقافة في معظم دول العالم، أو كلها، لكن المسرح السعودي قد يلتقط أنفاسه أحيانا ويمد عنقه من مكمنه متجاوزا تغييبه القسري.
كان الخميس الماضي هو يوم المسرح العالمي، هذه المناسبة احتفلت فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بعروض عدة، وقرئت كلمة المسرح العالمي التي كتبها برت بلي، وهو كاتب ومخرج ومصمم مسرحي من جنوب إفريقيا، وعمل في أكثر من دولة إفريقية، ترجم الكلمة الفنان الدكتور نايف خلف، ولي شرف قراءتها بتكليف من جمعية الثقافة والفنون فرع الرياض.
لم يعد المسرح السعودي فضاء خاليا بعد أكثر من ثلاثة عقود وجهد جيلين أو ثلاثة من عمل هواة هذا الفن الراقي، وحقيقة أن المسرح تعثر في مسيرته كثيرا لابتعاد المثقفين النخبويين عنه لزمن طويل ولوجود فئة اجتماعية ترفض الفنون البصري، وتحاربها، مع أن الفنون المسرحية هي حمالة القيم والمعاني وتراث المجتمع، وتغييب المسرح لم يكن شيئا طبيعيا في الحياة فهو الطقس الاجتماعي لكل مناسبة.
المسرح في المملكة فتح أبوابه بجهود الهواة، وبدأنا نرى عروضا بالعشرات، وجمهورا لا يقاوم المجيء والحضور، رغم أن المسرح ما زال بيد هواة، رجالا ونساء، أحبوه كثقافة بصر، وعملوا له دون انتظار جزاء أو شكور.
المسرح لكل المجتمعات هو مقدمة الثقافة وفاتح آفاقها، وهو كما أشار برت بلي حاضر في كل تجمع بشري أفراحا وأحزانا، وقيما وتراثا.
وتراثنا المسرحي تجلى في تجمعات السمر وملاحم الحروب في العرضات، وفي كل تجمع عقده الناس فلسنا خصا من البشر، بل إن طقوسنا الشعبية مدارس مسرحة كاملة التنظيم ببصرياتها، ونرانها، وأصوات طبولها ومغنيها المرددين بعد شعرائها حتى وإن عميت فئة من المجتمع بمصالحها عن روح المجتمع وأسسه الفنية، وبعده الروحي الثقافي وتفاعلات وجدانه.
وأخيرا لا بد لكل مسرحي سعودي من رفع علامة الانتصار بعد أكثر من 30 سنة من البدايات المتعثرة، ولا بد أيضا من رفع علامة الانتصار للمساحة الواسعة عبر المملكة التي انتشر فيها شباب وشابات المسرح في كل أرجاء بلادنا، وهي جهود شبابية تطوعية، وهؤلاء الشباب من الجنسين تعلموا نظرا في بيئة تخلو من عروض ومن ممارساتهم البسيطة شكلوا نظريا عرضا سعودية يتكئ على ثقافتنا، وقيمنا، ونجحوا على مستوى مسرح الهواة والثقافة بالتنافس مع فرق سبقتهم لسنين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي