سوق الأسهم والمخرج الاستثماري
عام 2009 وصلت سوق الأسهم إلى قاع 4121 نقطة، ولتعود بعدها بسرعة حتى تجاوزت حاجز ستة آلاف نقطة لتبدأ السوق رحلة جديدة مملة عندما سيطر عليها مسار أفقي طوال ثلاثة أعوام، وفي هذا الوقت الطويل على المستثمرين كانت الفرص الأخرى أكثر إغراء من السوق، فالعقار كان في ذروته والذهب كان يقفز من نقطة إلى أخرى، وسوق العملات تجد رواجا كبيرا مع التذبذب الذي عاناه الدولار وانخفاض قيمته مقابل العملات الأخرى.
بذلت هيئة سوق المال الكثير من أجل عودة السوق إلى مسارها الاستثماري والسيطرة على روح المضاربة التي عصفت بالسوق منذ انهيار عام 2006، وعملت بجد على تعميق السوق من خلال منح فرص كبيرة للعديد من الشركات لرفع رأسمالها، ومن خلال طرح عدد كبير من الشركات الجديدة ليرتفع عد الشركات من 76 شركة إلى 164 شركة اليوم، كما أضافت العديد من المعلومات المهمة مثل معلومات عن كبار الملاك، والأسهم الحرة، كما أضافت قيودا على حركة أسهم المؤسسين، إضافة إلى الإلزام بنماذج الحوكمة الرشيدة، لكن مع ذلك عانت السوق مشكلات عدة في عدد الشركات التي فشلت في تحقيق ما كان يطمح إليه المستثمرون، وبقيت في الذاكرة تجربة انهيار 2006 ماثلة للعيان، وهذا حد كثيرا من عودة سيولة قوية إلى السوق كالتي شهدتها السوق المالية عامي 2004 و2005 على وجه الخصوص.
لكن يبدو أنه منذ منتصف عام 2013، بدأت السوق السعودية تجد لها مسارا صاعدا من جديد، واستطاعت بسهولة أن تتجاوز نقاط مقاومة كانت عسيرة لسنوات، فتجاوزت نقطة 6900، ثم 7200، ثم كسرت حاجز ثمانية آلاف، وهي نقطة مقاومة عنيفة، واتجهت بسرعة إلى 9000 وتجاوزتها هي تستقر الآن فوق 9200 نقطة، من اللافت أن السيولة كانت ترتفع بشكل متناسب، فقد ارتفعت من أربعة مليارات ريال حتى تجاوزت ثمانية مليارات ريال، فلم تكن السيولة تتدفق إلى السوق بسرعة أو بشكل مفاجئ وكأن هناك من يعمل على إيجاد انطباع جيد عن السوق بينما الواقع مخالف لذلك. فالنمو المتوازن للسيولة في السوق، خاصة كلما تجاوزت نقاط مقاومة يشير إلى عودة المستثمرين بشكل هادئ وحذر، وما يبعث على الطمأنينة حتى الآن عدم حدوث تراجع لافت نحو نقاط تم تجاوزها، ما يدل على أن صناع السوق يرغبون في المحافظة على ما تم تحقيقه حتى الآن. لكن من المهم معرفة الأسباب الحقيقية التي تدعم توجه المستثمرين لسوق الأسهم، التي من المتوقع أن تتعزز خلال الشهور المقبلة.
من أهم العوامل التي تشجع السوق على المحافظة على مكاسبها وتحقيق مكاسب أفضل، انحسار فقاعة سوق العقار، وانخفاض العوائد على الاستثمار هناك، فالسوق العقارية مشوشة إلى حد بعيد، خاصة بعد الإعلانات التي تنشرها وزارة الإسكان عن قرب توزيع مئات الآلاف من الوحدات السكنية في جميع مناطق المملكة، ما قد يقود إلى موجه انخفاض في الإيجارات، وهو أهم عائد يرتكز عليه العقار، وحتى بغض النظر عن هذا فإن العائد في السوق العقارية منخفض حاليا مقارنة بأسعار العقار المرتفعة، حيث وصل العائد إلى أقل من 8 في المائة، لذلك فإن المستثمرين يبحثون عن مصدر جديد وواعد للعوائد، كما أن الذهب لم يعد جاذبا كما كان إبان الأيام الأولى من الأزمة المالية، ولم تستطع العملات أن تحقق رضا المستثمرين العاديين، والعوائد على الودائع ومنتجات المصرفية الإسلامية تعد هزيلة مقارنة بغيرها وبحجم الأموال المستخدمة فيها، حيث لم تتجاوز العوائد معدل الفائدة السائدة، لذلك فإن سوق الأسهم تمثل فرصة حقيقة لتحقيق عوائد، خاصة مع انخفاض مكرر الأرباح لعدد كبير من الشركات السعودية المدرجة، ونجاح هيئة السوق المالية في مراقبة السوق والحد من ظاهرتي تداول بمعلومات داخلية وتداول المجموعات.
وعلى الرغم من أن شبح انهيار عام 2006 ماثل، والمخاطر في سوق الأسهم لم تزل عالية جدا، خاصة مع تتابع الأزمات السياسية في المنطقة، وتحولها إلى حروب أهلية، كما أن الأفق غير واضح بشأن تداعيات تلك الأزمات وانعكاساتها على الاقتصاد السعودي، هذا سيحد من الاندفاع نحو سوق الأسهم لفترة، وستستمر روح المضاربة سائدة واستراتيجياتها التي ترتكز على الخروج والدخول إلى السوق بشكل يومي هي الأكثر شيوعا بين المستثمرين، لذلك من المتوقع أن تشهد السيولة تذبذبا واضحا بين الأيام. لكن – رغم كل ذلك - لا يوجد في الأفق مخرج استثماري واعد أكثر من سوق الأسهم.