استثمار الكفاءة في إدارة رصيد المملكة

لا يخفى على أحد قلة الكفاءات التكنوقراطية القادرة والمجربة عالميا. إحدى ظواهر الاقتصاد الحديث الحاجة الماسة لهؤلاء، التي يعبر عنها توزيع الأجر والمكافآت المالية بين الندرة القادرة والبقية. لعل الإشكالية أكبر في الدول النامية، خاصة في دولة مثل المملكة ترغب قيادتها في نهضة اقتصادية لاستغلال الظرف الوقتي، حيث الأموال وفيرة. لفت نظر الكثير تعيين رئيس البنك المركزي في كندا للمنصب نفسه في بريطانيا، وكذلك تعيين إسرائيل فيشرمان رئيسا لبنك إسرائيل المركزي السابق وهو المولود في جنوب إفريقيا والأمريكي الجنسية "وتعين لاحقا نائبا لرئيس البنك المركزي الأمريكي"، هذه أمثلة حية على الرغبة في استقطاب الكفاءات في الوقت المناسب لموجة تحديات قد لا تكون الكوادر متوافرة في البلاد. لهذا اقترح تعيين محمد العريان أحد أبرز الاقتصاديين اليوم، قد يكون من المناسب الاستفادة من خبرات عربية أو محلية مميزة لمنصب إدارة الرصيد الأجنبي. وقد لفت انتباهي الاقتصادي محمد العريان فرغم أنه خسر أخيرا معركة سياسية مع رئيس مجلس إدارة شركة بمكو ومؤسسها إلا أنه كان الرئيس التنفيذي، لشركة بمكو أكبر شركة إدارة أموال أوراق مالية ثابتة الدخل (نحو تريليوني دولار وهذا يتناسب مع إدارة الرصيد الأجنبي لدينا)، فضلا عن أنه كان رئيس فريق الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي قبل "بمكو"، كما أدار صندوق جامعة هارفرد ليرجع رئيسا تنفيذيا لـ "بمكو". أعرف أنه اقتراح غير معتاد ولكن نحتاج إلى خبرة مختلفة نوعيا ورأي مستقل وعلى مستوى يتناسب مع دور المملكة كإحدى دول مجموعة العشرين وطبيعة التحدي الاستثماري لأموال طائلة دون كفاءة بالمستوى.
حان الوقت لتجربة جديدة، خاصة أن أحد جوانب الإشكالية لدينا تكمن في عدم الجراءة على تجارب جديدة في وقت نتلمس فيه خطوط التماس وعرة ومتعرجة بين تحديات التنمية ومتطلبات الإدارة الاقتصادية الفاعلة والواقعية. جربنا عدة وزراء تخطيط وأمناء للمجلس الاقتصادي الأعلى ومديري استثمار لدى مؤسسة النقد دون مردود واضح. هناك عدة فوائد مباشرة وغير مباشرة لتعيين نوعي في هذا المستوى. من الفوائد المباشرة الرأي المهني المستقل دون تركة بيروقراطية عهدت التوازنات والرغبة في البقاء الذي يضحي بالرأي الفني الموضوعي الصريح. كما أنه سيكون رسالة تعبيرية واضحة للداخل والخارج عن الرغبة في البحث عن الكفاءات مهما كان مصدرها، وسيرفع من قدرة المملكة على التفاعل والتواصل مع المنظمات وبيوت المال العالمية. يقال إن الإدارة الاقتصادية والمالية الفاعلة توظف الإشارات عمليا ولعل هذا مثال واضح.
تاريخيا إدارة الرصيد الأجنبي تحت مظلة مؤسسة النقد ولعل هذه الهيكلية تمنعها من القيام بدورها كصندوق سيادي مستقل، فنحن لم نفرق بين هذا الدور من ناحية وبين دور الرصيد كاحتياطي لسد العجز في الميزانية أو احتياطيات النقد. هناك علاقة بين هذه الأدوار ولكن ليس هناك تطابق في الأدوار أو في استحقاقات المرحلة التي تناسب اقتصاد المملكة.
لا أعرف محمد العريان ولكنه عربي الأصل ومسلم يحمل الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كمبردج وكان دائما يتفادى الحديث عن الدهاليز السياسية حتى أثناء تقاطعاتها مع الأمور الاقتصادية، ولا أعتقد أنه سيقبل، حيث ما زال مستشارا متفرغا للشركة الأم، ولكن علينا مداعبة الفكر المختلف ولو مرة واحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي