بروفيسور الترقيم .. انشر تؤجر
في الشعر العربي القديم:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
عيسى ابن مريم عليه السلام كان يقول "إني رددتُ على الأعمى بصره ـــ بإذن الله ـــ وشافيت الأبرص من عضال مرضه ـــ بإذن الله ـــ ووحده الأحمق أعيتني فيه الحيلة والوسيلة".
هل العقل الجمعي للمجتمعات العربية غائب بتأشيرة خروج نهائي؟ هل ضل الطريق وفقد السبيل في إخراج هذا المكون البشري في هذه الرقعة من الأرض من طفولتها وسذاجتها.. وجهلها المركب؟! هل يئس من التحول إلى الرشد بعد كل هذا الدم المسفوح.. وهذا الجهل المسكوب على السياسة.. والاقتصاد.. وسلوك المجتمع؟!
الحماقة لا تأتي بالتدريج.. لكونها من بنات الجهل الذي لا يأتي إلا تاما كاملا في كل شيء، أولها ـــ تصديق المستحيل ـــ والاندفاع دائما أبعد من حدود الذات في كل شيء. صفة الجهل أنه لا يملك التوازن إما إفراط التكذيب وإما تفريط بسرعة التصديق، ومن علامة الجهل أيضا أن الجهل دائما يُسلمك إلى جهل مثله، أو أعظم منه! وهذا سبب جوهري في كوننا دائما لا نسيطر على الأشياء ولكن نستجيب لها.. لا نخلقها ولكن نطيعها، لا نحكمها، ولكن ننفعل في دائرة فعلها، ولذا لا تملك المجتمعات الجاهلة البصيرة في فهم الفرص، ولا في تكوينها، ولا في أن تجد نفسها في الوقت الصحيح والفعل الراشد والرشيد.
ففي القرن الحادي والعشرين.. ما زال العرب.. يرسل بعضهم لبعض رسائل "عن بروفيسور الترقيم" ذاك البروفيسور الذي لم يعد يقنعه لقب طبيب ولا دكتور.. فقفز إلى أعلى مرتبة علمية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، وهناك قلة وهبوا أنفسهم بتمامها للعلم والبحث العلمي والتفرغ له. وقد منحوه كل شيء في حياتهم أعمارهم وقلوبهم وعقولهم! وهذا اللقب العظيم "بروفيسور" يأتي ليس من خلال قنواته الشرعية المعتبرة حول العالم كله، ولا سبيل إليه غيرها.. وهي الجامعات العلمية المعترف بمناهجها وطرق التعليم فيها، ونزاهتها في منح الشهادات لمن يستحقها فقط دون زيادة ولا نقصان.
ليس بهذا الطريق.. ولا بهذا السبيل يأتي بروفيسور الترقيم هذا! ولكنه يأتيك من خلال "انشر تؤجر" فقد تمكن البروفيسور المتخصص في كل التخصصات تقريبا في اكتشاف "علاج فعال لمرض السرطان والإيدز، والكبد الوبائي سي"، وعلى نحو الاحتياط في الفقه، وبراءة الذمة في الحقوق، يضيف "والبواسير".
وهناك عشرات العشرات من الحالات قد أنعم الله عليهم بالشفاء تماما من هذه الأمراض.. على يدي البروفيسور المعجزة.. وهو ليس في مستشفى معترف به، أو مرخص، أو خاضع لرقابة وزارة الصحة في بلده! وهو ليس أستاذا في الجامعة، كما ينبغي لمن هو في مكانته العلمية المفترضة، ولا هو مدير مركز أبحاث عقاقير طبية! ولا هو رئيس في أي منظومة دولية متخصصة في الطب! هذا كله ليس له منه نصيب.
ولكنه موجود على رقم جوال ".....". وفضلا انشر الرسالة تؤجر من قبل الله ـــ عز وجل ـــ على نهب المغفلين الذين ما زالت أمثال هذه الرسائل تغويهم، وتجعلهم فعلا يصدقون أن رجلا بمرتبة بروفيسور ولديه إمكانية علاج مرض عضال.. من يكتشف علاجا له ينل عشرات المليارات.. عروضا فورية من شركات الأدوية العالمية أو من كبار أثرياء العالم المصابين بتلك الأمراض. يرسل للناس رسائل عبر "الواتساب" يستجدي زبائن عبر رقم جوال.. دون اسم! ومن خلال خلطة الجرجير المجفف بالثوم وزيت الزيتون.. و"المقروء" عليه زيادة بركة من بروفيسور كل التخصصات بما فيها كونه مبيد الحشرات بخلطات سرية أيضا خاصة سوسة النخيل الخبيثة.
والظريف.. أن هذه الرسائل ما زالت تأتيني كل يوم. ولكن الله قد يجعل رزق البله على المجانين. وما أكثر الاثنين في بني يعرب! .