مكتبة الحرم المكي.. مركز تنويري آخر
لن تكون مكتبة عامة عادية، فإضافة إلى الدلالات الروحية الناجمة عن إنشاء مشروع مكتبة الحرم المكي الشريف بالقرب من المسجد الحرام، ضمن المشروع الأكبر الخاص بتوسعة الملك عبد الله التاريخية للمسجد الحرام، فهذه المكتبة ستكون مركزاً تنويرياً ثقافياً معرفياً علمياً حضارياً، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي، بل على الصعيد العالمي. العناوين التي يمكن أن تضمها المكتبة هائلة، تصل إلى 20 مليون عنوان، إلى جانب آلاف الدراسات والبحوث والمخطوطات، وغيرها من الموسوعات. وستتوافر هذه الكتب وكل ما يتصل بها بأفضل الطرق الفنية المتطورة، من حيث سهولة الوصول إليها، أو فهرستها، كما أنها تشكل ركناً رئيساً في هذا المجال عربياً وإسلامياً وعالمياً. ومع استخدام أفضل التقنيات، ستأخذ المكتبة دورها الفوري والتلقائي على الساحة.
لم يكن مناسباً أن تبقى مكتبة الحرم المكي الشريف في مبنى مستأجر، فقيمتها ودلالاتها ودورها تفرض معايير مختلفة لها وعليها.
موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على إنشاء مقر المكتبة بالقرب من الحرم المكي، جاءت لتكمل المشروع التاريخي للتوسعة الذي يحمل اسمه. مكان منحه الله تعالى هذه الرفعة والقيمة والقداسة التي لم تمنح لأي مكان في العالم، يستحق صرحاً معرفياً ثقافياً علمياً مرتبطا به مباشرة. وعلى هذا الأساس، جاءت موافقة خادم الحرمين الشريفين، وفق شروط تحاكي رمزية المكان وطبيعة أدائه في المستقبل. فقد وجهت الموافقة الجهات المختصة على أن يكون مشروع مكتبة الحرم المكي وفق التصاميم الكاملة والخطط الهندسية للمشروع الأكبر في أرقى طراز وأحسن مستوى، وأبدع تصميم. دون أن ننسى، أن مكتبة الحرم العريقة يمتد عمرها إلى 12 قرناً، خدمت خلالها كل من يطلب العلم. فالمكان غير العادي، يتطلب معاملة ومعايير غير عادية أيضاً.
ومن المزايا اللافتة لمشروع مكتبة الحرم المكي، أنه يتضمن محطة نقل وعلى عدة أدوار. وهو أمر يضيف تسهيلات أخرى لرواد المكتبة من الباحثين والدارسين والطلاب. والمكتبة مرة أخرى، مركز، يضم معرضاً ومتحفاً وصالات قراءة، ومكاتب بحث، فضلاً عن القاعات التي تضم الكتب والمخطوطات نفسها. ويتطلب أيضاً خدمات كبيرة تتناسب مع حجم الإقبال، ومكانة المكتبة نفسها على الصعيدين العلمي والمعنوي، خصوصاً إذا ما عرفنا، أن مرافق المكتبة تتسع لأكثر من ألف مستخدم، بمن فيهم النساء والأطفال، الذين ستتوافر لهم خدمات مكتبية مختلفة، مما يزيد من أهمية ومحورية دور المكتبة التنويري والمعرفي والعلمي والبحثي، فخدماتها ستشمل كل الشرائح.
إن مثل هذا الصرح، لن يكون قاصراً على الباحثين والدارسين المختصين، بل سيستقطب مزيدا من الزوار العاديين، لأسباب عديدة، في مقدمتها زيارة المتحف والمعرض. وهذا في حد ذاته يخلق حالة ثقافية عامة، باتت مطلوبة الآن، وسط الانفلات المتصاعد في هذا المجال.
سيكون مقر مكتبة الحرم المكي بالقرب من المسجد الحرام، صرحاً تاريخياً يضاف إلى الصروح التي أقيمت في المملكة على مدى السنوات الماضية، مع اختلاف واحد كبير، يتمثل في روابطه الروحية المقدسة، وفي قيمته الدينية الهائلة التي لا يمكن لأي صرح آخر أن يوفرها. إنه ببساطة، منارة علمية جديدة تخص الجميع، ولا تقتصر على شريحة أو عدة شرائح. كما أنه يسهم بصورة مباشرة في التخاطب الحضاري الذي وضعه خادم الحرمين الشريفين هدفاً رئيساً على الصعيد الإنساني، ويسعى إلى تكريسه وفق ثوابت العقيدة الإسلامية السمحة والمتسامحة. إن مكتبة الحرم المكي في مقرها الجديد الخاص بها، لن تكون مكتبة سعودية إسلامية فحسب، بل مكتبة عالمية بكل معنى الكلمة ودلالاتها.