بعد حكم المحكمة .. مؤسسات الطوافة تتنفس الصعداء
في الأيام القليلة الماضية أصدرت المحكمة الإدارية في مكة المكرمة حكما نهائيًا بالبراءة لوكيل وزارة الحج وستة متهمين من موظفي وزارة الحج ومؤسسات الطوافة؛ كانت قد وجهت ضدهم تهمًا بالفساد الإداري، والاعتداء على المال العام، والتزوير في عقود ضيوف بيت الله الحرام.
وطوال أيام المحاكمة كان المناخ العام في مكة المكرمة قلقًا ومشغولا بهذه القضية التى استمرت بين - الكر والفر - لنحو ثلاث سنوات.
ولذلك بعد صدور الحكم النهائي بالبراءة تنفس الجميع الصعداء، ثم عادت أنفاس العمل إلى وضعها الطبيعي.
ولا شك أن صدور الحكم بالبراءة سينشر مناخًا جديدًا من العمل النظيف والنزيه لخدمة ضيوف بيت الله الحرام، لأن المحاكمة كانت عبرة لكل من يعتبر.
والمتابع لتاريخ مؤسسات الطوافة في مكة المكرمة يجد أن الحكومة ممثلة في وزارة الحج كانت وما زالت حريصة على الارتقاء بمستوى الخدمات التى تقدمها مؤسسات الطوافة إلى ضيوف بيت الله الحرام من حجاج ومعتمرين.
إن المطوف - من وجهة نظر الحكومة - هو الذي يتكفل بجميع حوائج الحاج وأغراضه، منذ أن تطأ أقدامه ميناء جدة إلى أن يصعد سلم الطائرة عائدًا بسلامة الله إلى بلاده، كما أن وكيل المطوف المعتمد في جدة يتولى إجراءات استقباله في جدة ثم يقوم بتنفيذ جميع التدابير اللازمة لمغادرة الحجاج جدة متوجهين الى مكة المكرمة، كما أن المطوف مسؤول عن ترتيبات الزيارة إلى المدينة المنورة، وفي المدينة المنورة يتولى المزور استكمال الخدمات والتسهيلات كافة حتى يغادر الحاج المدينة المنورة متوجهاً - بسلامة الله - إلى مطارات جدة.
وتمتد الخدمات التى يقدمها المطوف إلى الحاج إلى أبعد من ذلك، فإذا وقع الحاج في ضائقة أو مشكلة تقتضي مراجعة إحدى الجهات فعلى المطوف أن يرافق الحاج حتى تنتهي معاملته، وإذا مرض الحاج فإن واجب المطوف أن يعالجه ويطببه، وإذا انتقل الحاج إلى الرفيق الأعلى فإن مسؤولية المطوف تقتضي أن يبلغ عن وفاته لدى الجهات الحكومية المختصة، وقبل ذلك وبعده يشترط على المطوف أن يتقن لغة الحجاج الذين يتبعونه.
وإذا كان البعض يرى أن الطوافة هي بمثابة عمل تطوعي ابتغاء مرضاة الله، فإننى - من واقع المعايشة والمتابعة - أرى أن الطوافة مهنة معقدة تحتاج إلى تطبيق مناهج العلم حتى تحقق المزيد من الابتكارية والحلول غير التقليدية.
ولقد عُرفَتْ مهنة الطوافة منذ فجر الإسلام لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر استأجرا عبد الله بن أريقط هادياً خريتاً "وهو الماهر بالهداية" ليدلهما على طريق المدينة.
ولكن الطوافة في العصر الحديث وجدت من حكومة الملك عبد العزيز - رحمه الله - اهتماما كبيراً، فقد أمر الملك عبد العزيز في عام 1947 باعتماد وتنفيذ أول نظام للطوافة والمطوفين، ولقد أوضح النظام أن الطوافة هي مجموعة من الخدمات التى يقدمها المطوف "أسرة من الأسر المكية" إلى حجاج بيت الله الحرام كي تجعل أداء الحاج للنسك سهلاً وميسوراً، كما أوضح النظام أن الحاج ضيفًا عزيزًا على بيت الله الحرام وأن خدمته واجبة تفرضها واجبات الضيافة ويتحتم أن تقدمها الحكومة والمطوفون لحجاج بيت الله الحرام.
وفي خطوة متقدمة جداً حققت مهنة الطوافة نقلة نوعية في عام 1978، حيث صدر نظام جديد نص على تحويل الطوافة من العمل الفردي إلى العمل المؤسساتي، أي بعد أن كانت بعض الأسر المكية تقوم بخدمة ضيوف بيت الله الحرام وضع النظام قواعد جديدة لمهنة الطوافة وحولها إلى مجموعة مؤسسات يتعين عليها تقديم أفضل الخدمات لضيوف بيت الله الحرام، وتطبيقا لما جاء في النظام فقد أصدر المقام السامي أمراً في عام 1979 بالموافقة على تأسيس ست مؤسسات تم تقسيمها جغرافيًا على النحو التالي: مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، ومؤسسة مطوفي حجاج إيران، ومؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا، ومؤسسة مطوفي حجاج إفريقيا غير العربية، ومؤسسة مطوفي حجاج شرق آسيا، ومؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية. ولقد تم توزيع الحجاج على مؤسسات الطوافة بناء على متوسط أعداد الحجاج في مرحلة الطوافة الفردية، كذلك نص النظام بأن يكون لكل مؤسسة من هذه المؤسسات مجلس إدارة يتكون من مجموعة من الأسر المكية المتخصصة في نوع معين من الجنسيات، وتشرف وزارة الحج على انتخابات مجالس إدارة هذه المؤسسات، وتوزع إيرادات الحجيج على مؤسسات الطوافة كل بحسب حصته من الحجاج.
ويتبع مؤسسات الطوافة مكتب الوكلاء الموحد بجدة، ويتعين على مكتب الوكلاء استقبال الحجاج في منافذ الدخول إلى المملكة، ثم يتولى المكتب ترحيل الحجاج إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة، كما أن مكتب الوكلاء مسؤول عن مغادرة الحجاج إلى بلادهم بعد أداء مناسك الحج والعمرة، وفي كل الأحوال تسعى الحكومة جاهدة إلى تحسين وتجويد الخدمات إزاء ضيوف بيت الله الحرام.
ومن أجل تجويد العمل المؤسساتي لخدمة ضيوف بيت الله الحرام فقد أنشأت وزارة الحج أخيرا إدارة خاصة للتحقيق مع المؤسسات والشركات التي تعمل على خدمة ضيوف الرحمن ومتابعة أعمالهم ومساءلتهم عن أي تقصير قد يحدث، كما أن هذه الإدارة أهابت بضيوف الرحمن أن يمدوها بالشكاوى والاقتراحات ومزيد من التفاعل من أجل أداء الخدمات بجودة عالية.
ويتضح من التطورات التى شهدتها مهنة الطوافة أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تحرص على الارتقاء بالخدمات التى تقدمها إلى ضيوف بيت الله الحرام.
وإذا كانت الخدمات التى يقدمها المطوفون إلى ضيوف بيت الله الحرام - بعد مأسسة الطوافة - قد حققت بعض التقدم إلاّ أن المطلوب من مؤسسات الطوافة أن تقدم المزيد من الخدمات الذكية وأن تستخدم تقنية المعلومات في تجويد الخدمات بعيداً عن المفاهيم التقليدية التي ما زال البعض يتمسك بها، ولعل أبسط أنواع التطور التقني لمؤسسات الطوافة بناء البوابات الإلكترونية وتمكين ضيوف الرحمن من التواصل مع مؤسساتهم لاستيفاء المعلومات والبيانات كافة دون الحاجة إلى الاتصالات الشخصية العسيرة، وعلى الجميع أن يدرك أن خدمة ضيوف الرحمن تشريف وتكليف أيضاً.