مشاريع التنمية المحلية وتكرار تجربة «أرامكو»
قبل أشهر عدة تحدثت "الاقتصادية" عن أهمية مشروع توطين صناعة تحلية المياه في المملكة، ومن المناسب جداً أن تتحول تلك الرؤى والمقترحات إلى واقع ملموس حيث تمّ بالأمس وبرعاية الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنوّرة، توقيع تسع مذكرات تفاهم بين الهيئة الملكية للجبيل وينبع وعدد من الجهات الحكومية والشركات الوطنية الكبرى، لتوطين الصناعات التحويلية المرتبطة بصناعة قطع الغيار الخاصّة بقطاعَي التحلية والصناعات الرئيسة. وتسعى هذه الاتفاقيات إلى إيجاد تكامل بين الجهات الموقعة لمواجهة التحديات الناجمة والفرص التي توجدها صناعة تحلية المياه المالحة، في الوقت نفسه تحقق تنمية متوازية من خلال مواجهة الاستهلاك المتزايد على المياه المحلاة والذي أوجد في مقابله أعباءً في استهلاك الأجهزة وبالتالي طلباً فعالاً على قطع غيار التحلية والصناعات الأساسية في المملكة.
من الصعب اختزال جميع المزايا الاقتصادية لهذا المشروع في أسطر، لكن من الواضح جداً أننا أمام مبادرة تنموية شاملة تحقق أهدافاً عدة في وقت واحد، فهي من جانب توجد تنويع مصادر الدخل فلا نعتمد على مصدر واحد، ومن جانب آخر تسهم في نقل المعرفة والتقنية والخبرات، وتطوير المجمعات الصناعية الحديثة، كما أنها ستكون رافداًً مهماً من روافد توفير فرص عمل للشباب السعودي. إنها مبادرة مهمة لن تقل أهمية عن مشاريع "سابك" وإنشاء "أرامكو"، وعن اكتشاف حقول النفط، وخاصة أن الجهات الموقعة تمثل مجموعة من الشركات العريقة التي أثبتت نجاحاً كبيراً في مجالها وتمتلك تجربة كبيرة في إنشاء الصناعات. شركات مثل "سابك"، و"مرافق" و"معادن" والشركة السعودية للكهرباء، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وغيرها من الشركات التي تمثل ثقلاً اقتصادياً بارزاً في المملكة.
إننا على موعد مع مشروع تنموي جبار، مشروع للتنمية المستدامة سيفتح الطريق أمام تميُّز المملكة في صناعة مهمة جداً هي في أمسّ الحاجة إليها أولاً، كما أن العالم في حاجة إليها أيضاً، فستكون المملكة محط رحال العالم في هذه المنتجات المهمة. أضف إلى ذلك أن هذه الصناعة ليست ذات علاقة مباشرة بإنتاج النفط، بل كما هي صناعة البتروكيماويات، فهذه النقلة الصناعية ستحرر المملكة من قيود صناعة النفط تماماً، كما ستوفر مصادر جديدة للطاقة البديلة. وإذا نجحنا في بناء هذا الصرح من التعاون فسنكسر الكثير من العقبات أمام إيجاد جيل صناعي، فالتعاون سيصبح أسهل في سبيل بناء تحالفات اقتصادية كبرى بعيداً عن انتظار الإنفاق الحكومي أو تدفقات الميزانية. كما أن هذا المشروع التنموي سيوجد أجيالاً صناعية ذات تنوُّع معرفي غني وكبير، وهذا سيتم من خلال نقل المعرفة والخبرات التي سيعمل المشروع على تحقيقها. كما ستكون الفرص مواتية من أجل بناء صناعات أساسية وسيحفز التعدين، والصناعات التحويلية الضرورية الأخرى.
بقي أن تعمل الجامعات على اللحاق بالركب من خلال سرعة الاستجابة لمتطلبات سوق العمل التي ستعزّز الطلب على أيد عاملة مدربة وقادرة على الدخول بسرعة إلى هذا العالم الصناعي. نأمل ألا نحتاج إلى إنشاء جامعات خاصّة لهذا الموضوع، بل يكفي أن تتفاعل الجامعات وتخرج من عباءة البيروقراطية والتصلب الأكاديمي حتى تستجيب لمتطلبات هذه الصناعة الوليدة.