الأراضي .. لماذا نختلف عن الآخرين؟

هل علينا إعادة اختراع العجلة؟ الإجابة عن هذا السؤال تفتح آفاقا فكرية وجوانب عملية لا يمكن التهرب من التعامل معها بموضوعية قبل فوات الأوان. في الأسابيع القليلة الماضية أعلن عن آلية توزيع الإسكان والتي في قلبها محاولة للالتفاف على توافر الأراضي بسعر "مقبول" ومكان ملائم، وكذلك ذكر وزير الصحة أن توافر الأراضي معوق رئيس لتقديم الخدمات وليست الخدمات الأخرى في حال أحسن، وهناك جدل واسع حول تأهيل وسط مدينة الرياض وارتفاع فاتورة نزع الملكية في حالة تقدم المشروع "والاستحقاقات المترتبة على تطوير مماثل للمدن الأخرى". ثم هناك تكلفة الأرض كنسبة من تكلفة اقتناء المنزل كأحد أشكال الظاهرة. وأخيرا لا يخفى على أحد مدى صعوبة الحصول على موقف للسيارة في أغلب الشوارع في أوقات العمل في كل المدن. ما يجمع هذه الحالات هو مدى الحاجة لإصلاح جذري لمرفق الأراضي. ولكن مع أهمية ما ذكر إلا أن الأمر لا يقف هنا فقط: فإصلاح المرفق خطوة أولى رئيسة لإعادة تأهيل الكيان الاقتصادي برمته من العدالة المجتمعية إلى قدرته التنافسية.
اليوم نعاني خللا كبيرا في إدارة المرفق. أتى الخلل بسبب تمتع اقتصاد المملكة بحقبة استثنائية من أهم معالمها التعايش الاقتصادي دون المرور بإصلاح مرفق الأراضي لأسباب منها: قلة السكان، والوفرة المالية، وحداثة المدن والهجرة إليها، ولكن الظروف الموضوعية اليوم لا تسمح بهذا التهرب من المسؤولية المجتمعية. بدأت الإشكالية من سياسة توزيع المنح وتوفر المال وطبيعة ما آل إليه الاقتصاد الوطني من اهتمام في الأصول على حساب الإنتاج. هذه الطبيعة جعلت تملك الأراضي وسطا استثماريا ومضاربيا على حساب توظيف الأراضي لغرض إعمار الأرض. تعاملنا مع الاشكالية بطريقة "توزيعية"، مرات بالمنح للمواطنين، ومرات بنزع الملكية، ومرات بمزيد من مصروفات حكومية بغرض التوسع الأفقي، ومرات باللجوء إلى استئجار عقارات غير مناسبة مكانا أو توظيفيا. لدى الحكومة استعداد لصرف مليارات الريالات لمساعدة العامة في محاولة يائسة لملاحقة سياسية توزيعية لمشكلة عامة حلها معروف مما جعلنا مختلفين عن الآخرين دون أسباب منطقية. بعد أن أصبح الغالبية من المواطنين من سكان المناطق الحضرية لا بد من حل يتماشى مع تطوير الاقتصاد واستحقاقات تخطيط المدن من خلال آلية عامة. يصعب على الأمانات والبلديات القيام بدورها دون السيطرة على مرفق الأراضي. لعل تعديل أسعار الأراضي مدخل أولي للسيطرة على المصروفات الحكومية. ميزانية 2014 أخذت خطوة صغيرة تقدر لوزارة المالية، ولكن الكل يعرف أن مستوى المصروفات لن يستمر في المدى المتوسط.
الحل في توظيف الأراضي لخدمة الاقتصاد، وهذا يتم فقط من خلال تعديل الأسعار بواسطة رسم أو زكاة. هناك جدل غير مبرر حول طبيعة الحل العام فهناك من ينادي بتفعيل الزكاة بعد استبعاد مساحة معينة تكفي لسكن العائلة، على أن تشمل الزكاة كل أرض لا توظف في نشاط صناعي أو زراعي أو تجاري مباشر "من الدرجة الأولى للحد من التهرب" على أن تحدد الضوابط من الجهات ذات العلاقة. الشرط الأساس أن أي أرض عدا ذلك تُشمل بالزكاة دون أي مكان للنوايا والأعذار والتحايل. وهناك من ينادي برسم بلدي وليكون 1.5 ـــ 2 في المائة على جميع الأراضي غير الآنفة الذكر. ليس هناك اختلاف في الجوهر بين الزكاة أو الرسم فكلاهما يحقق النقلة النوعية الضرورية لخدمة الناس عامة مباشرة وغير مباشرة من خلال تحديث إدارة الاقتصاد الوطني. يحاول البعض توظيف الزكاة، أما من حسن نية أو محاولة للغوص في طبيعة النوايا والتهرب من الموضوع إلى حد عدم التردد في توظيف فتاوى لا تخدم الأمة. المهم هو مساعدة الجهات ذات العلاقة في التوصل إلى حل عام يخدم الحكومة والناس في الوقت المناسب قبل تراكم العيوب الهيكلية. الرسم ليس حلا سحريا ولكنه خطوة أولى ضرورية للتسهيل على المواطن والحكومة وأقل تكلفة على الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي