«الهيئة» بين العلم بالغيب والتجسس

"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ")المائدة: (78-79)
ذكر علماء التفسير أن القوم أجرموا مرتين: مرة حين وقعوا في الآثام، وأخرى حين تركوا المعاصي تشيع فيهم دون أن تسود فيهم روح التناهي عنها. وفي الحديث الشريف: روى ابن مسعود عن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا").
هذه المقدمة ضرورة رد التهويل بالمُنِكر على سلوك بعض المنتسبين للهيئة أن إنكارهُ عليهم هو رد لفريضة الدعوة إلى الفضيلة والطهر بين المؤمنين بالله واليوم الآخر، وهي دائرة تتسع وتستوعب الإنسانية بتمامها. لأن الفضيلة العامة في سلوك المجتمع هي فطرة فطر الله النفس عليها، إلا تلك الفئة الذين عبر الله عنهم بوصف خاص بهم. وهم "الذين اتبعوا الشهوات"، والذين يبحثون عن الميل العظيم في نيل كل ما تشتهي أنفسهم دون قيد ولا شرط وهو الانفلات والانحلال بالمطلق. وبعد هذه المقدمة أقف بين يدي وقائع تناقلتها وسائل الإعلام هنا - قضايا قبض - ومداهمات للهيئة في أماكن لا يمكن لبشر أن يعلم بما فيها وخلف جدرانها، إلا بواحدة من وسيلتين، إما أن يكون عنده علم الغيب، وإما أن يتجسس على الناس، ويتتبع معاصيهم المستترة، ويلاحق سيئاتهم الباطنة التي لم يظهروا عليها أحدا من الخلق، وخلف جدران مغلقة، وأبواب موصدة!
وتم القبض على رجل وهو على عتبة الـ 50 من عمره في خلوة غير شرعية في "غرفة فندق في جدة"! من 530 غرفة. وليس بعيدا عن هذه الواقعة ومن هول الذعر الذي تلبسه شاب عربي ألقى بنفسه من الطابق السابع في أحد فنادق مكة. ليلتقط الموتُ منه روحه وهو يئن على الرصيف البارد قبل أن تنتهي إليه سيارة الإسعاف.
وكذلك تجد خبرا أن الهيئة تدهم منزلا في الرياض لتقبض على "خلوات غير شرعية" ووجود مسكر!
وحين يصرح رئيس الهيئة أن وظيفتهم المقررة بحسب النظام العام للهيئة: هي فقط إنكار الرذيلة البادية التي تمشي بين الناس سافرة بادية فيهم، وذلك رعاية لحفظ هوية المجتمع المسلم. وليس من مهام عملهم التتبع ولا ملاحقة ذنوب العباد التي يحاسبهم الله عليها.. "وما عليك من حسابهم من شيء إن حسابهم إلا على الله".
أجد السبيل في اقتحام غرف الفنادق؟ ومعرفة الهيئة أن المرأة مع ذاك الرجل بالتحديد، وفي هذه الغرفة بالخصوص ليست محللة له، وأنهما في خلوة غير شرعية! فإن كان هذا ليس بتجسس على الناس، ولا ملاحقة لذنوبهم التي استتروا عن العباد فيها؟ والتي كفلت لهم الشريعة حق الستر عليهم كحق من حقوقهم الشرعية والإنسانية؟ فهل نعتبر هذا علما بالغيب. أم وحيا يوحى على أفراد الهيئة؟! وبذا ينحصر الفهم بين التجسس والعلم بالغيب؟
أيهما السبيل الذي سلكته الهيئة في مثل هذه الوقائع؟!
الجواب متروك لمن ألقى السمع وهو شهيد!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي