الوزارات السيامية
عملت سابقاً في مجال التخطيط في مؤسسة حكومية. عليه، أستطيع القول إن التخطيط يمكن أن يكون الإدارة الأهم أو الإدارة الأقل أهمية، يعتمد هذا على اهتمامات القيادة وحرصها على البناء المؤسسي وحماية المكتسبات وتنمية الموارد. الميزة المهمة في تلك الإدارة أنها كانت مسؤولة عن الميزانية، وكانت تلك القضية الخلافية الأكبر بينها وبين الإدارة المالية.
ساد الاعتقاد لسنين طويلة أن كل ما يخص النواحي المالية هو من اختصاص الإدارة المالية، ولذا يرى مديرو المالية أن مسؤوليتهم تشمل كل نواحي توقع وحساب وتحصيل وتخطيط وصرف الميزانيات، وهي قضية قد يكون فيها تداخل مصالح. إذ لا بد من وجود عنصر إداري في التنظيم، يفصل بين مرحلتي التحصيل والصرف. بل إن الضرورة تستدعي أن يكون تحديد طريقة الصرف وتوزيع البنود مرتبطاً عضوياً بعنصر إداري مستقل.
لا يمكن أن تُبْنى خطة دون أن ترتبط بمخصصات مالية. قد يكون هذا هو السبب الأهم وراء بقاء وزارة التخطيط غير قادرة على إنتاج خطط خمسية رقمية، بل قد يكون السبب الأهم وراء عدم تحقيق الخطط الخمسية أهدافها "المعلنة".
هذه المعضلة حولت الخطط التنموية في المملكة إلى خطط إنشائية، لا تحمل مؤشرات الأداء الرقمية، التي يمكن أن يُحاسَب عليها المسؤولون في مختلف مواقع العمل. جاء قرار نقل ملف الاقتصاد إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط ناقصاً العنصر الأهم، وهو ربط الخطط بالمخصصات المالية. لا تزال وزارة المالية تسيطر على تحصيل الإيرادات "وإن كان من خلال مؤسسة النقد"، وتسيطر على توزيع الاعتمادات وإدارة المناقلات بين أبواب وبنود الميزانية، دون الرجوع أو حتى التنسيق مع وزارة التخطيط، وعليه فلن يكون هناك أي تطور حقيقي أو تغيير على الشكل العام للخطط التنموية. يستدعي نجاح خطط الدولة وتحقيق أهدافها، نقل جهاز الميزانية بالكامل من وزارة المالية إلى وزارة التخطيط، حيث تربط الميزانية بالخطة وتخرج لنا الخطة بمؤشرات رقمية.
يؤدي إجراء مثل هذا إلى إلغاء العفوية التي تدفع بمشاريع محددة للواجهة لأسباب وقتية، وضمان تناغم خطط مختلف الوزارات، حيث تحقق الإفادة من كل المشاريع فور تسلمها، والتقليل من ظهور التجاوزات المالية التي ترافق القرارات الوقتية، وهدر المخصصات، الأهم أنها تسمح بالمحاسبة على أسس علمية تنتجها مؤشرات الخطة، وتضمن العمل المؤسسي المقنن.