التعلم بين جناحيه النظري والتطبيقي
كثيراً ما نسمع ونقرأ بشأن ضعف المخرجات التعليمية خاصة مخرجات الجامعات والكليات المتخصصة ككليات ومعاهد التعليم الفني، وفحوى الشكوى تتركز في قلة المهارات التي تمكن الخريج من توظيف معارفه النظرية في مجال العمل الذي يعمل فيه، وبعيداً عن الجزم أو نفي هذه المعلومة يحسن مناقشة هذه القضية في أساسها التربوي والتعليمي على أمل تلمس الحلول التي تجعل تعليمنا قادراً على الوفاء بالتزاماته حيال الوطن. ولعله من المسلَّم به أن اكتساب المهارات العملية يتطلب بيئة تعلم غنية تتوافر فيها المستلزمات المادية والبشرية كافة، ولذا لا مناص من تناول الموضوع من زاوية التعلم التعاوني.
يأخذ التعلم التعاوني صوراً شتى بدءاً من تعلم الطلاب فيما بينهم على شكل مجموعات كل مجموعة تقوم بمهمة ما سواء في الفصل، أو المعمل، أو الحقل، أو في أي مكان تتم فيه العملية التعليمية، كما أن من صور التعلم التعاوني ما يحدث من تعاضد وتعاون بين المؤسسات التعليمية، والتدريبية كالجامعات، والمعاهد العليا، وكليات التقنية، وبين المؤسسات الخدمية، والإنتاجية كالمصانع والورش، ومدارس التعليم العام كما هو حادث منذ عقود بين كليات التربية ووزارة التربية والتعليم في تدريب معلمي المستقبل، وكما يتم بين الكليات الصحية والمستشفيات.
التعلم التعاوني سواء بين الطلاب داخل القاعة، أو المختبر، أو الذي يتم خارج المؤسسة التعليمية التي يدرس فيها الفرد يستهدف إخراج الفرد من دائرة ذاته المغلقة إلى دائرة أوسع يكتسب فيها الفرد طريقة تفكير، وخبرات، وخصائص شخصية ربما ليست متوافرة لديه، كما أن انتقاله إلى بيئة مختلفة عن بيئة تعلمه المعتادة تحدث لديه مشاعر مختلفة، وتفتح ذهنه لطرق وأساليب تختلف عن تلك التي اعتاد عليها وألفها.
التعلم التعاوني خاصة في صورته الثانية التي تتم فيما يطلق عليه غالباً الحقل، أو الميدان الذي سيكون مكان العمل المستقبلي ينقل الفرد من المعرفة النظرية إلى العملية التطبيقية، أو هذا ما يجب أن يتم، في الجامعة، أو المعهد حيث يتلقى الطالب النظريات، والنماذج، وقواعد تخصصه والأطر النظرية الواسعة لكن في الميدان تتاح له فرصة تطبيق ما تعلمه نظرياً، وتحويله إلى منتج مادي، كغذاء إن كان متخصصاً في التغذية، أو دواء إن كان في الصيدلة، أو ممارسة طريقة علاج إن كان متخصصاً في الطب، أو يطبق طريقة تدريس تعلمها في الجامعة، وحان الوقت لتنفيذها مع الطلاب، بما يعنيه ذلك من قدرة على حسن التعامل مع الطلاب، وقدرة على إيصال المعلومة، وتبسيطها، وبما يتناسب مع أعمارهم، ومستوى فهمهم.
قيمة التعليم الحقيقية تتمثل في المعرفة التي تتحول إلى مهارة، أو مجموعة مهارات تجعل المتخصصين في جميع المجالات قادرين على تطبيق المعرفة، وتوظيفها في المواقف، والحالات التي يمر بها الفرد في الظروف كافة.
يسود في المؤسسات التعليمية منهجان للتدريب، أحدهما يسمى التكاملي، وهذا يجمع بين التدريب، وفرصة التطبيق، والدراسة النظرية في الوقت نفسه، والفلسفة التي يقوم عليها هذا المنهج ترى أن التطبيق المباشر للمعرفة أجدى، وأنفع من تأجيل التطبيق إلى وقت متأخر، أما المنهج الآخر فيعتمد على فلسفة الفصل بين المعرفة النظرية، والتطبيق، الذي يؤجل إلى ما بعد التخرج، وأرجح المنهج الأول لأنه لا توجد فترة فاصلة بين التعلم النظري، والتطبيق، إذ إن الفترة الفاصلة يترتب عليها النسيان، وعدم القدرة على الربط بين المعارف، إضافة إلى عدم معرفة أفضل الحالات والمواقف المناسبة للتطبيق.
وأنا أحضر الكتابة لهذا الموضوع، تساءلت هل التعليم في كليات الشريعة، والمعهد العالي للقضاء، وأقسام القانون يتيح لطلبتها التدريب أثناء الدراسة، وأين، ومتى؟ أعلم أن الخريج الذي يرشح للقضاء يعمل ملازماً لقاض فترة من الزمن قبل أن يمارس القضاء، لكن السؤال ما الذي يمنع من التدريب أثناء الدراسة وذلك بالذهاب إلى المحاكم ومشاهدة عملية التقاضي والترافع، وكيف يتعامل القاضي، وكيف تسير المجريات كافة؟