أعيدونا

صدر الأمر الملكي الكريم الذي حدّد موقف الدولة من مشاركة المواطنين في أعمال قتالية خارج المملكة، وقواعد التعامل مع المنتمين والمشجعين والداعمين والمروّجين لهيئات أو منظمات أو أحزاب تحمل صفة "الإرهاب" أو تسعى لنشره داخل المملكة أو خارجها.
أتوقع أن يكون الأمر قد عرض أكثر من مرة قبل أن يُقَرَّ بصيغته النهائية، ذلك أن كثيراً ممَّن يقعون تحت طائلة التعريفات الواردة فيه يعاملون بعناية واهتمام ويحظون بالتقدير من قِبل الدولة والمواطنين.
لكن ماذا يفعل إمام المسلمين وهو يرى أبناء البلد يُغرَّرُ بهم ويُقذفون في مهاوي الردى والناس يتفرجون، ويرى آخرين يدفعون بالمزيد من الشباب إلى القتال في حرب غامضة تلفها الشبهات والاحتمالات المختلفة والتصنيفات المتباينة.
بكاء الأمهات وشكاوى الآباء وما يرد من تقارير عن التعذيب والقتل المتبادل بين أبناء الوطن الواحد، وسقوط الأقنعة عن كثير من التنظيمات المتقاتلة في سورية – بالذات - دفع بالملك إلى موقف ينهي هذه المعضلة التي فرّقت حتى أبناء البيت الواحد.
يستمع البعض لفتاوى من أشخاص هم أقلُّ الناس علماً بتعقيدات الوضع في الشام. تتأجّج فيهم روح الإسلام وحب الجهاد، فيبحث كل واحد عمَّا أو عمَّن يُعينه على الذهاب - وهم موجودون ويعملون داخل المملكة. ينطلق الشاب المسكين مؤملاً أن يجاهد في سبيل الله. يصل إلى سورية ليستقبله ممثل تنظيم، ويدخله في برنامج تدريبي، يخرج بعده ليقاتل.
في أثناء القتال الدائر يمكن أن يُستَخْدَم السعودي درعاً بشرية، أو وسيلة للابتزاز والحصول على الأموال من أسرته التي تدفع الغالي لإعادته. لكن الأدهى من ذلك أن يكتشف في اليوم التالي أن ابن عمه يقاتل في الجهة المقابلة من خط النار، وهي حالة تكرّرت. قصص حقيقية عرفناها من خلال وسائل الإعلام ونبّهت لها الصحافة وكُتّاب الرأي. توقفت مجموعة ممَّن أفتوا بفرض الذهاب إلى الشام بعد تكرار المآسي، لكن بقي "محرّضون". جاء برنامج "الثامنة" ليشعل نار الاختلاف بين الجميع ونتج عنه تشدُّد كل طرف لرأيه، وأصبحت البلد ساحة تجريم وتفسيق وإدانة بين الفئتين المختلفتين. جاء الأمر الملكي ليوقف كلٌّ عند حده.
تعمّدت أن أؤخر كتابة مقالي هذا لأراقب ردود الفعل. البعض ما زالوا – مع الأسف - يحتفظون بمواقفهم المخالفة، وإن خبأ الجهر بها. هنا لا بد من التراجع عن المواقف المخالفة للأمر على الأشهاد، خصوصاً أن أبناءنا هناك يصرخون "أعيدونا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي