الدماء الزرقاء

عملية بسيطة جداً تقوم بها مختبرات مصانع الأدوية في دقائق معدودة باستخدام "دم أزرق" لحيوان أقدم من الديناصورات، ساهمت في إنقاذ ملايين البشر!
إنه دم "سرطان حدوة الفرس" أو "السلطعون"، ذلك الكائن الذي لا يتعدى طوله 60 سنتيمترا، القادم من البحر ليمنحنا سائل الحياة لديه، وتم اكتشافه عام 1971، ومن يومها تقوم شركات الأدوية بجمع نصف مليون حيوان سنويا من شواطئ الساحل الشرقي للولايات المتحدة حسب قانون موحد لصيدها، ثم تسحب ثلث دمها وتعيد ما بقي منها على قيد الحياة إلى مسكنها، الأمر الذي يعرض هذا الحيوان للانقراض، إذ يستحيل الاستغناء عنه في مثل هذه الاختبارات، فلدمه الأزرق تركيبة عجيبة ساعدته على مقاومة الأمراض وأعراضها، في آية من آيات الله في الكون، وبقاء نسله ملايين السنين، وهو يعتبر من الحفريات الحية، إذ وجدت له حفرية عمرها 450 مليون سنة، ورغم ذلك لم يحدث في تكوينه تغيّر يذكر.
هذه التركيبة الفريدة تجعل دمه يتخثر بمجرد ملامسته مسببات الأمراض "البكتيريا"، لذلك تستخدمه الشركات المنتجة للقاحات والسوائل الوريدية والأجهزة الطبية للكشف عن وجود البكتيريا القاتلة التي قد تودي بحياة البشر، وكذلك معرفة إمكانية حدوث الأعراض الخطيرة المصاحبة للقاحات مثل الحمى والسكتة الدماغية.
ويتميز هذا الاختبار بحساسيته العالية جدا للكشف عن كميات غاية في الصغر من مسببات الأمراض لا تتجاوز جزءا واحدا من التريليون، أي ما يعادل حبة سكر واحدة في حوض سباحة أولمبي!
ولكيلا ينقرض هذا الحيوان تحاول الشركات الاستعاضة عنه بمادة موجودة على ظهر الضفدع الإفريقي ذي المخالب، إن تمكنوا من زيادة حساسيته.
ولكن ما سبب زرقة لون دمه، وهل سببها أصوله النبيلة، كما كان يطلق على النبلاء الإسبان والإنجليز ذوي "الدماء الزرقاء"؟ لقد وجد الباحثون أن سبب زرقة دم "سرطان حدوة الفرس" وجود عنصر النحاس مرتبطا بالبروتين حامل الأكسجين بدل عنصر الحديد الموجود في الدم الأحمر!
أما النبلاء فكانوا يسمون بذلك لبروز عروقهم الزرقاء عند انكشاف بشرتهم، ويعود ذلك لعدة أسباب إما لبياض بشرتهم التي لم تلفحها حرارة الشمس، مثل باقي الشعب من المغاربة، أو بسبب انتشار مرض الهيموفيليا في العائلة المالكة، فيمتنعون عن الخروج، وتبدو وجوههم زرقاء شاحبة، واستخدم ذلك منذ عام 1834 للإشارة إلى النسب النبيل. وأول من أظهره على السطح هم الإسبان، عند احتلالهم شبه الجزيرة الإسبانية من سكانها الأصليين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي