الطريق لمحاكم الفساد
في مبادرة إيجابية تعكس معاناة هيئة مكافحة الفساد في تطبيق النظام وتفعيل المحاسبة، صرح مسؤول في هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، بأن المملكة تعاني الفساد الناتج عن القصور في تطبيق بعض الأنظمة والخدمات المقدمة للمواطنين وسوء إيصالها، وأن الهيئة تعمل على تحديد هذا القصور وأسبابه من خلال وسائل عدة، أهمها مراجعة الأنظمة والإجراءات ومدى وضوحها، التي يدفع غموضها وتعقيدها إلى اللجوء للواسطة أو الرشا، ولأن هذا التصريح فيه ما يتضمن التأكيد على أن هناك ثغرات قانونية تسمح بالتفسيرات المختلفة خصوصا في الجانب الإجرائي، فإن إجراء مسح دقيق على نقاط الضعف في الأنظمة بات أول خطوة لمنع استخدام مرونة القانون لمخالفته.
نعم هناك إدارة مختصة ومتخصصة في تطوير الأنظمة واللوائح في هيئة مكافحة الفساد، مهمتها المساعدة القانونية في تشخيص الفساد وبحث أوجه القصور في تطبيق بعض الأنظمة، مما يؤدي إلى وجود الفساد، ومن أوجه القصور البطء الشديد في نظر قضايا الفساد، فالهيئة لا تقل معاناة عن المجتمع رغم جهود السلطة القضائية، ولكن هذا التأخير له آثاره ومنها فقدان الثقة بالجهات التي تحاسب وتقاضي. والحل من وجهة نظر "نزاهة" أن يتم إنشاء قضاء خاص بالفساد سواء في جانب التحقيق أو إقرار العقوبات، أو أن يكون هذا القضاء دوائر متخصصة داخل السلطة القضائية لضمان السرعة والفاعلية والتغلب على التراخي في مكافحة الفساد.
لقد جربت "نزاهة" أن بعض الإجراءات غير فاعلة مثل إيقاف الخدمات عن المتهمين، وبدأت في البحث عن بدائل ومنها المنع من السفر والحجز على الأموال والتشهير بعد المحاكمة متى نص الحكم على ذلك لأن التشهير عقوبة معنوية، وستقف "نزاهة" كل يوم على حقيقة جديدة تكشف لها صعوبة التعامل مع ملفات الفساد في جانب المساءلة اللاحقة، أما الوقاية السابقة فهي أكثر صعوبة، فالواقع يشير إلى أن "نزاهة" تعاني عدم تجاوب بعض الأجهزة الحكومية في تطبيق الأنظمة وفي التزويد بالمعلومات اللازمة للتحقيق، والأهم استمرار وجود مسافة لا تتناقص أبدا وهي البعد عن الشفافية في معالجة فشل المشاريع ومنع تكرارها.
وفي أكثر من مرة يستشعر مجلس الشورى ما يتعرّض له المال العام من تجاوزات في بعض الأجهزة الحكومية، ولعل أهم صور الفساد ما يجري من صرف مبالغ ضخمة من اعتماداتها في غير الأغراض التي خُصّصت لها، فضلاً عن تلك الثغرات التي قد تُستغَل من قبل المنفذين والخاضعين لنظام المنافسات، ولقد أوصى مجلس الشورى بأن يتحرّك ديوان المراقبة العامة بسرعة لوضع الضوابط والإجراءات التي تضمن تسوية وسداد العُهد وأرصدة الأمانات في وقتها المحدّد، ومحاسبة كل من تثبت مخالفته من المسؤولين عن تأخيرها، وسوء استعمالها كأداة مالية مؤقتة أولاً بأول.
إن هناك مشكلة في تحصيل أرصدة لمصلحة الأجهزة الحكومية تبلغ 25 مليار ريال، وهذا يحرم الخزانة العامة للدولة أموالا كبيرة يمكن توجيهها لمشاريع تنموية تسهم في تلبية احتياجات المرافق الحكومية والمجتمع، وهذا يعكس ضعف كفاءة الإدارة المالية في التحصيل، كما أنه يرتب على الدولة التزامات متزايدة قد يصعب سدادها مستقبلا، فضلا عن أن ذلك يعد مخالفة لقواعد وإجراءات إقفال الحسابات، حسب قرارات مجلس الوزراء، ولذا فإن تعدد الملاحظات على حفظ المال العام يؤكد أن هناك فساداً أو تقاعساً من قبل بعض الأجهزة الحكومية وصل حداً يستوجب معه بحث الحالة بشكل عام وإيجاد الحلول العملية، ومن المؤكد أن هذا جزءٌ من مشروع شامل لمكافحة الفساد الذي تعكسه الأرقام، وهي خير شاهد.