لماذا الصندوق السيادي السعودي؟
من المهم التأكيد بداية على أن فوائد الصناديق السيادية تطول كل شرائح المجتمع سواء كانوا من العاملين، المتقاعدين، العاطلين، القطاع الخاص، والأجيال المقبلة. كما أن شريحة الشباب يجب أن تكون من المهتمين بكيفية إدارة الموارد وتأثيرها في مستقبلهم لأن الاستثمار لموارد تم الحصول عليها واستثمارها في وقتهم ومساهمتهم الاقتصادية لتحقيق منفعة طويلة الأمد عوضاً عن إنفاقها كل هذه الموارد غير المتجددة في المدى القصير تعتبر من الخيارات المصيرية. لذا فالحديث عنها وتناولها يمس كل فرد نظراً لكونها المصدر الأساس للثروة المتحققة في الجيل الحالي ولطبيعتها الاستثمارية التي ستمتد لأجيال قادمة، أي أن هناك تداخلاً زمنياً ومكانياً بين مصدر التمويل للصناديق السيادية، أوجه استثماراتها، جغرافيتها، تقييم العوائد، وبالتالي إنفاقها على الاقتصاد الوطني.
في العديد من دول العالم، عندما يطرح موضوع صندوق الثروة السيادي للنقاش، يلاحظ أن هناك آراء متعددة لأصحاب المصلحة أو المعنيين stakeholders في الغاية من تأسيس الصندوق السيادي. حجم أصحاب المصلحة "الحكومة، البرلمان، المواطنين" يختلف من بلد إلى آخر بحسب النظم السياسية القائمة في تلك البلدان. في أغلب الأوقات وقبل أن يتم تبني أي قانون لتأسيس الصندوق السيادي، تقوم بعض الحكومات بتثقيف الجمهور بشأن الصندوق السيادي من خلال التواصل المباشر مع المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام لتحسين فهم هذه المبادرة الحكومية المهمة والتي لها انعكاسات على الاقتصاد المحلي في المديين القصير والبعيد. في تيمور الشرقية التي استقلت في عام 2002 بعد احتلال لقرون عديدة وحروب "آخرها مع إندونيسيا" كان ضحيتها ربع الشعب بحسب بعض الإحصاءات، عندما أرادت أن تأسيس صندوق سيادي في عام 2005 كان هناك تواصل بين الحكومة والقاطنين في القرى الصغيرة على الرغم من أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة متدنٍ جدا إلى هذا اليوم. ولكن في حالات أخرى، يكون هناك مشاورات مبدئية بين الحكومة والبرلمان للتوصل إلى خريطة طريق عن الجوانب الأساسية للصندوق ومن ثم طرحها للجمهور من أجل تعزيز الثقة والشرعية للصندوق على الصعيد الوطني والدولي.
بالنسبة للصندوق السيادي السعودي، هناك رؤى متعددة على الساحتين الاقتصادية والإعلامية عن ما هية هذا الصندوق، من ضمنها: تقليل التقلبات في الميزانية العامة للدولة، الاستثمار في الداخل لمواجهة التحديات الاقتصادية في القاعدة الإنتاجية وسوق العمل، تعظيم العائد على الاحتياطيات الأجنبية، والمحافظة على جزء من الثروة للأجيال القادمة. إذا كان الغرض من إنشاء الصندوق السيادي تحقيق كل هذه الأهداف فإن هذا الوعاء الاستثماري سيكون بمثابة العصا السحرية التي نريد استخدامها لمعالجة التحديات الاقتصادية والتشوهات الهيكلية التي واجهت اقتصادنا على مر العقود الماضية.
من وجهة نظري، يمكن تصور التحديات الراهنة للاقتصاد الوطني من خلال الثلاثية التالية: التنمية، الاستقرار الاقتصادي، والادخار، لذا لا بد أن يكون هناك أساس منطقي للتعامل مع هذه التحديات. إحدى الطرق المتبعة في إدارة الموارد النابضة وغير المتجددة هي وضع الأولويات لتحقيق الأهداف الاقتصادية طويلة المدى، لنكون أكثر دقة:
1. تلبية احتياجات التنمية: ليس هناك اختلاف جوهري بين رؤية الدولة وتطلعات المواطنين إلا أن هناك حاجة إلى توجيه جزء كبير من الإيرادات النفطية إلى تنويع القاعدة الإنتاجية وتحقيق التنمية المستدامة لأن العائد على الاستثمارات الخارجية في أوراق مالية أقل بكثير من العائد الاقتصادي والاجتماعي على الإنفاق لتحسين البنية التحتية ومعالجة أزمة السكن وخلق فرص وظيفية وغيرها. الإشكالية العظمى أن هناك حدود للطاقة الاستيعابية لكل اقتصاد وكذلك قدرات الوزارات الحكومية على تنفيذ كم هائل من المشاريع. على سبيل المثال، لو قررت الحكومة إنفاق ثلث احتياطياتها لدى "ساما" في هذا العام المالي، فإن هذا يعني أن حجم الإنفاق الحكومي سيكون في حدود 1.4 تريليون ريال مما قد يتسبب في حدوث ضغوط تضخمية وبالتالي انعكاسات سلبية على رفاه المواطن وإنتاجية القطاع الخاص. بما أنه ليس هناك أي دراسة منشورة عن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، فإن الأمل معقود على الخطة الموحدة للاستثمار والتي أعلنت الهيئة العامة للاستثمار أنها بصدد إعدادها لكل قطاع على حدة بالتعاون مع الوزارات الحكومية. هذه الخطة ربما تكون نواة لدراسة عن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد ككل، حيث تصدر مثل هذه الدراسات في العديد من الدول من وزارات المالية أو البنوك المركزية أو وزارات التخطيط. أن الإنفاق على التنمية يجب أن يكون من ضمن الميزانية العامة للدولة وليس من ضمن اختصاص أو موارد الصندوق السيادي. بما أن الإنفاق على التنمية يمتد لسنوات عديدة بسبب الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، فإن بعض الدول مثل أستراليا أولت مهمة إدارة الموارد الخاصة بالتنمية إلى صندوق المستقبل للحصول على عائد بسيط إلى حين تحتاج الحكومة إلى إنفاق هذه الأموال على البنية التحتية والتعليم.
2. تخفيف هزات الدورات الاقتصادية: يكون هذا من خلال تخصيص جزء من الصندوق السيادي في أصول شبه سائلة لتقليل التقلبات في الميزانية العامة للدولة وبالتالي الاقتصاد ككل. في هذه الحالة، يمكن اعتبار هدف الاستقرار stabilization objective كصمام أمان لتقليل تأثير الأحداث غير المتوقعة في الاقتصاد بسبب الاعتماد على مصدر وحيد للدخل في ميزانية الدولة وكذلك الصادرات. وبالتالي، لا يختلف هذا كثيرا عن احتفاظ الأفراد وكذلك القطاع الخاص بجزء بسيط من النقد في الحساب الجاري لمواجهة التقلبات في الدخل أو المصروفات الشهرية. ولنا في القرآن عبرة عندما أمر الله قوم يوسف بالاحتفاظ بجزء بسيط من أقواتهم في سنيين الرخاء لكي يتم استخدامها في سنوات الشدة.
3. إدارة "الفائض" من الاحتياطيات الاجنبية الرسمية: بعد تلبية متطلبات التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وظيفة الادخار saving objective الهدف منها تقاسم الثروة عبر الأجيال. بما أن الاحتياطيات "الفائضة" لدى "ساما" والتابعة للميزانية العامة للدولة "وهي أحد الصناديق السيادية السعودية" تقدر في حدود 1.6 تريليون ريال يجعل من تعظيم العائد المعدل بالمخاطر أمراً في غاية الأهمية، حيث إن زيادة العائد بنسبة 1 في المائة تعني زيادة مقدارها 16 ملياراً.
بما أنه ليس هناك اختلاف على ضرورة تلبية احتياجات التنمية وأن هذا من اختصاص ميزانية الدولة وليس الصندوق السيادي، لذلك من وجهة نظري، فإن الهدفين الأساسيين للصندوق هما الاستقرار الاقتصادي والادخار لأن هذا سيكون له تأثير مباشر في مستوى الرفاه الاقتصادي للجيل الحالي وكذلك للأجيال القادمة على المدى البعيد.