لائحة خليجية لترشيد الاستهلاك

على الرغم من أن الجهود التي تُبذل على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار ترشيد استهلاك الماء والكهرباء، جهودٌ ضرورية مطلوبة على صعيد المجلس كله، إلا أنه ينبغي أن تنطلق عملية ترشيد الاستهلاك في هذا المجال من الساحات المحلية أولاً، أي أن تكون هناك سياساتٌ ترشيدية على الصعيد المحلي، تصنع ثقافةً وسلوكاً وفهماً للثروات المطروحة للمواطنين، إلى جانب طبعاً حماية هذه الثروات، بصورة استراتيجية، بعيدة عن مفهوم أن الأشياء تظل موجودة إلى الأبد. إن معايير الاستهلاك وثقافته في أي مجال، تشكل بحد ذاتها استراتيجية مستدامة، لأن الأمر مرتبطٌ في النهاية بما هو موجودٌ، وموصولٌ بما سيوجد. وإذا ما أخذنا الطاقة، تحديداً، فإننا أمام مشكلة ليست خليجية أو عربية أو إقليمية، بل هي مشكلة عالمية، وهاجس يعيش مع الأمم منذ عشرات السنين.
لا شك في أن الاجتماع الذي بدأ أمس في الكويت بين مسؤولين خليجيين، لمناقشة موضوع الربط المائي، سيساعد بصورة كبيرة على مسألة وضع اللوائح والمعايير "وحتى القيود إن لزم الأمر" لاستهلاك الماء والكهرباء. وهذه اللوائح ستساعد أيضاً على تمهيد الطريق لكثير من المعايير المشابهة التي تتعلق بالاستهلاك بشكل عام، خصوصاً في مجال الطاقة. إن الربط المائي بين دول المجلس، يفرض مسؤوليات وواجبات جديدة مختلفة على دوله. وأي اتفاقية تتم في هذا المجال، سيكون لها دورُها على صعيد الترشيد المطلوب للاستهلاك. وهذا يستوجب أيضاً، دراسة تجارب الدول الأخرى في هذا المجال. إن الدراسة التي يتم العمل عليها حول اللائحة الموحدة للتقنيات الترشيدية في قطاعَي الماء والكهرباء، باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى. ومع تعميم استخدامها بين الدول الأعضاء، فإن ذلك سيزيد من وتيرة نشر ثقافة الترشيد المطلوبة.
ستكون هناك قراراتٌ ليس مرحباً بها على صعيد شرائح من سكان دول مجلس التعاون، ولا سيما المواطنون منهم. وهذا يحدث عندما تطبق سياسات تحمي المستقبل، بدلاً من الاعتماد على سياسات لا علاقة لها باستحقاقات هذا المستقبل. وهناك أسئلة كثيرة أمام القائمين على قطاعَي الماء والكهرباء في مجلس التعاون، في مقدمتها تلك المرتبطة بمجانية هذه الخدمة الاستراتيجية في بعض دول مجلس التعاون، وكذلك الأدوات القديمة التي لا تزال موجودة في عدد كبير من مناطق دول المجلس ومدنها، التي تزيد من الهدر. كما أن هناك سؤالاً كبيراً يظهر بكل قوة على السطح، يتعلق باستهلاك النفط لتوليد الكهرباء. ففي حال السعودية "على سبيل المثال"، سيصل استهلاك النفط لتوليد الطاقة إلى نصف الإنتاج السعودي الراهن من البترول، في غضون السنوات القليلة المقبلة.
والماء نفسه في الخليج جزءٌ من الطاقة نفسها. فهو يتوافر من خلال التحلية التي تتطلب أيضاً معدلات مرتفعة من الطاقة. من الغرابة بمكان أن يصل سكان دول الخليج العربي إلى أعلى المستويات في لائحة أكثر الأفراد استهلاكاً للمياه في العالم! هل يُعقل أن يصل استهلاك الفرد في الخليج من الماء ما بين 300 إلى 750 لتراً، في وقت يحصل فيه على هذه المياه عن طريق التحلية المكلفة؟! في دول كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من تلك الراشدة، باتوا يجمعون مياه الأمطار لتنظيف المنازل والحمامات، في الوقت الذي تتمتع فيه هذه الدول بموارد مائية عذبة لا تنتهي.
إن اللائحة الخليجية الموحدة لترشيد استهلاك الماء والكهرباء، باتت ضرورة ملحة، وإذا لم تصدر هذه اللائحة في الوقت المناسب، فإن كل عمليات الاندماج الخليجي في هذا المجال المعيشي والحيوي ستكون بلا قيمة، أو في أفضل الأحوال ستكون صوتية. كيف يمكن الربط المائي، وهناك تفاوت في الاستهلاك بين دول وأخرى، بل هناك مفهوم جديد للاستهلاك تلتزم به دولة، وتلتزم بنصفه أخرى، وقد نجد مَن لا يلتزم به على الإطلاق؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي