الجامعات السعودية: إلى أين؟
دخلت المملكة مرحلة جديدة بالتوسع في التعليم الجامعي الخاص بعد أن قفز عدد الجامعات الحكومية من سبع إلى 25 جامعة ووصل عدد الجامعات الخاصة إلى تسع والكليات الأهلية إلى 35. في ظل هذا التوسع السريع لابد من التوقف لرفع بعض التساؤلات. السؤال الأولي يدور حول طبيعة أولويات وتركيز التعليم الجامعي ــــ هل هي البحث؟ أو الإعداد المهني؟ أو توسيع وتعزيز القاعدة المجتمعية؟ ما مدى استثمار الحكومة في الجامعات لتحفيز النمو الاقتصادي في المدى البعيد؟ ما طبيعة العلاقة مع القطاع الخاص والمجتمع؟ التهرب من الفرز يحمل مخاطر كبيرة وبعيدة المدى.
أغراض وأهداف التعليم الجامعي ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تفتح مسارات وخيارات مترابطة ومعقدة ووثيقة الصلة بالمرحلة التنموية وتوجهات السياسات العامة للحكومة والمجتمع. في الماضي القريب كانت الإجابة نسبيا سهلة، حيث غلب أعداد الكوادر المهنية في جميع ميادين الحياة، ولكن تزايد الأعداد وآفاق البطالة ودرجة التعقيد في المتطلبات المهنية والاقتصادية والضغط على الوزارة للحفاظ على الحد الأدنى من الجودة ومستوى التنافسية عالميا وتعارض بعد الأهداف ومحدودية الموارد وخاصة البشرية وحتى المادية في تزايد التكاليف خلق بيئة جديدة مختلفة جذريا عن السابق. في ظل هذه التحديات لا بد أن ما يحدث للجامعات ومخرجاتها يعكس خيارات مجتمعية سوى أعلنت أو لم تعلن، كذالك يعكس رؤية وكفاءة القائمين على التعليم الجامعي في الجامعات وكل مؤسسة حكومية لها علاقة. نجاح هذا المرفق محدد أساس لنجاح المجتمع من عدمه.
هناك مخاطر ومحاذير بعضها بدا واضحا. فتكاثر كليات الطب وطب الأسنان والهندسة في جامعات خاصة "بهدف تعظيم أرباح رسوم تدفع أغلبها الحكومة" بعد أن فشل أغلب طلابها في الحصول على قبول في الجامعات الحكومية التي لا تطالب بالكثير أصلا. لا بد أن يكون هناك ناقوس خطر في التنازل عن الجودة وما يعقبها من تراخيص مهنية.
التحدي الآخر يكمن في الحاجة لتحديد التركيز في الجامعات، فلا بد أن يكون هناك جامعات بحثية وأخرى مهنية، فليس لدينا الكوادر أو المواهب والرغبات الحقيقية لتحقيق كل شيء في الوقت نفسه وفي كل مكان. فمثلا تبرع خادم الحرمين لتأسيس ثلاثة مراكز للبحث في علم النانو في ثلاث جامعات قبل عدة سنوات. حان الوقت للمنافسة والتركيز على جامعة أو جامعتين فقط.
هناك حاجة واضحة لأبحاث تجريبية مباشرة لقضايا الساعة عمليا ونظريا في جميع نواحي الحياة. فالأحرى أن تركز جامعات معينة على البحث في الطب وأخرى في الطاقة وأخرى في علوم الأرض وأخرى في التعليم وأخرى في سوق العقار وأخرى في سوق المال وفي التنظيمات التشريعية حولهما وأخرى في الجريمة وهكذا. التخصص يساهم في المنافسة والقياس والمقارنة العالمية ويساعدنا في أضعف نقطة لدينا: بناء وتوثيق وتراكم المعرفة الحقيقية. تناسخ الجامعات تكلفة مادية ومعنوية وخلط في الأهداف والأغراض واستمرار الجامعات وكأنها امتداد لتعليم الثانوية العامة. حينما تقبل الجامعات أكثر من 90 في المائة من طلاب الثانوية مقارنة بنحو 40 في المائة في الدول المتقدمة هناك مشكلة عميقة اخترنا مجتمعيا عدم الدخول فيها.
على المجلس الاقتصادي الأعلى والوزارات ذات العلاقة مطالبة الجامعات بالتخصص قدر المكان في جدول زمني معقول وإن كان بينهم درجة من التماثل في المراحل الأولى لإنعاش المنافسة ومن ثم المطالبة الواضحة بالتركيز والتخصص من خلال آلية الترخيص والميزانية. الخطوة الضرورية اليوم هي التخلص من أي جامعة أو كلية تهدف للربح ــــ فالتعليم الجامعي الهادف للربح امتداد لآفات الاقتصاد الريعي وما يحمل من فشل اقتصادي وتنازل أخلاقي.