الصندوق السيادي ملك للشعب

افتتح وزير المالية النرويجي الاجتماع السنوي الخامس لمجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية بهذه الكلمات البسيطة ولكنها عميقة الدلالة "الصندوق السيادي ملك للشعب ونحن مؤتمنون عليه". كان هناك حضور كبير من أغلب صناديق الثروة السيادية في العالم في هذا الاجتماع الذي انعقد في النرويج بمدينة أوسلو، بما فيها الصناديق السيادية الخليجية وكذلك المنظمات المالية الدولية والبنوك العالمية وأعضاء هيئة تدريس من بعض الجامعات العريقة والإعلام. الأعضاء المؤسسون لمجموعة العمل الدولية يمثلون 24 دولة ويجتمعون بشكل سنوي لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان المحور الأساسي لهذا العام هو استراتيجيات الاستثمار على المدى البعيد.
في البداية قبل الحديث عن كيفية إدارة الأصول السيادية في السعودية، لا بد من تحديد ورصد الأصول السيادية التابعة للخزانة العامة للدولة التي يمكن تصنيفها ضمن الأوعية الاستثمارية التالية:
1ـ الأصول الاحتياطية الأجنبية لدى "ساما" البالغة 2.6 تريليون ريال بنهاية الربع الثالث لعام 2013، جزء كبير منها خاص للخزانة العامة للدولة ويبلغ 1.6 تريليون ريال بحسب تصريح وزير المالية للقناة الأولى عقب صدور ميزانية عام 2014. هذه الاحتياطيات الأجنبية تستحوذ على حصة الأسد من إجمالي الأصول السيادية.
2ـ صندوق الاستثمارات العامة الذي يهدف إلى توفير التمويل اللازم لبعض المشروعات التي لها أهمية كبيرة في تنمية الاقتصاد الوطني، وكذلك المساهمة في رؤوس أموال بعض الشركات، حيث بلغ إجمالي القروض والمساهمات 183 مليار ريال بنهاية عام 1432هـ..
3ـ شركة سنابل السعودية للاستثمار التي تم تأسيسها عام 2008 تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة برأسمال الشركة 20 مليار ريال، الهدف منها إدارة بعض الأصول السيادية بشكل رئيس في المملكة. بخصوص محفظتها الاستثمارية، ليس هناك أي بيانات عن حجم أو توزيع الاستثمارات "بحسب القطاعات الاقتصادية أو المناطق الجغرافية" لشركة سنابل.
بما أن أغلب فوائض الميزانية العامة للدولة يتم إيداعها في محافظ استثمارية لدى "ساما"، وبالتالي استثمارها في أصول احتياطية أجنبية، بات الاهتمام بتعظيم العائد المتوقع وتقليل التكاليف على حيازة الاحتياطيات الأجنبية ذا أهمية كبيرة من ناحية تحديد مستوى الرفاه الاقتصادي للمواطن على المدى البعيد. لتبسيط إيصال الفكرة، يمكن النظر إلى هذه الاحتياطيات الأجنبية على أنها الوجه الآخر للنفط، حيث تقوم الدول بتحويل جزء من الأصول الحقيقية "الاحتياطيات النفطية" إلى أصول مالية "الاحتياطيات الأجنبية". هذه الأصول المالية ليست بالضرورة مستثمرة في أوراق مالية ذات مخاطر متدنية مثل سندات الخزانة الأمريكية وهذا ما ذكرته في منتصف عام 2013 في الصحيفة في عدد 7169 بأن "هذا اعتقاد أبعد ما يكون عن الواقع، لأنه من الصعب على القائمين على إدارة هذه الاحتياطيات إقناع الإدارة العليا لـ "ساما" بأن الاستثمار في عملة واحدة وذات معدل فائدة منخفض، ووضع كل البيض في سلة واحدة هو القرار الاستثماري الأمثل. بهذا يتضح أنه ليس من المعقول من ناحية استثمارية بحتة توقع أن "ساما" تستثمر أغلب موجوداتها الأجنبية في أصول ذات سيولة عالية"، وهذا ما أكده وزير المالية في المقابلة المذكورة أعلاه.
هناك تصريحات عديدة من بعض أعضاء مجلس الشورى خلال العامين الماضيين بخصوص وضع إطار تنظيمي ومستقل لإدارة فوائض الميزانية العامة للدولة. ولكن إلى الآن، ليس هناك أي نظام مقترح صادر من مجلس الشورى، حيث يمكن للمهتمين بالشأنين الاقتصادي والعام تحديد مدى انسجامه مع ظروف المملكة وكذلك مقارنته بالتجارب الدولية. إن هدف وأنشطة صندوق الثروة السيادية يجب أن تتفق مع الإطار العام للاقتصاد الكلي، لأن أصول هذه الصناديق (والعائدات منها) لها تأثير على المالية العامة والأوضاع النقدية وميزان المدفوعات والميزانية السيادية بشكل عام. كذلك القواعد الخاصة، بالإضافة أو السحب من الصندوق ومدى اتساقها مع الغرض من إنشاء الصندوق السيادي.
بما أن هناك توجها لإنشاء صندوق ثروة سيادي وهو محل الدراسة من قبل اللجنة المالية في مجلس الشورى، سنتطرق في سلسلة من المقالات القادمة إلى بعض الاعتبارات الرئيسة في تصميم وإدارة صناديق الثروة السيادية بناء على المبادئ والممارسات المقبولة عموماً لصناديق الثروة السيادية "مبادئ سانتياغو"، حيث إن السعودية كانت مُشاركة كمراقب في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية عند تبنيها في عام 2008، وكذلك سنطرح تجارب العديد من الدول مع هذه الصناديق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي