الصراع على الهيمنة و«ضيوف الشرف»

لم يعد الحال كما كان، لم تعد الهيمنة غربية تقابلها ردود فعل غير غربية، بهدف التقليل من زخمها وتأثيرها، مع سلسلة من الاتهامات التي ''حفرت'' لها مكاناً في التاريخ، تتأرجح بين توصيفات مثل الإمبريالية، والقوى الاستعمارية الآتية من الغرب، وغيرها من تلك التي لم تحقق هدفها في التقليل من حجم هذه الهيمنة على مدة عقود طويلة، ولا سيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إن نتائج هذه الحرب، بقيت مفصلية إلى أوائل الألفية الراهنة، بأشكال مختلفة، وبموروثات شكل المنتصرون فيها الهيمنة المطلقة، وبين المنتصرين أنفسهم كانت هناك فوارق في هذه الهيمنة. بعضهم هيمن كثيراً، والبعض الآخر هيمن بما توافر له من تلك الموروثات، وبما تبقى له من قوة حقيقية فاعلة على الساحة الدولية. والهيمنة نفسها كانت نوعين: انفتاحية مريعة وانغلاقية فظيعة. أصحاب الأولى كانوا يعتقدون أنهم يملكون الشرعية، وأصحاب الأخرى اعتقدوا أنهم يمتلكون الحقيقة كاملة.
بعد الحرب العالمية الثانية، لم يظهر مفصل يقترب من مستوى محوريتها، مثل الأزمة الاقتصادية العالمية. حدثت تحولات كبيرة، ولعل في مقدمتها انهيار الكتلة الاشتراكية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. لكن الفارق كبير بين التحولين المشار إليهما، وهو يتمثل في أن الأزمة نالت من كل القوى، بينما ضرب الانهيار أطراف الكتلة المنهارة فقط. كان الغرب منتصراً في الانهيار، ولكن من انتصر في الأزمة؟ ورغم أنه لم يمر سوى خمس سنوات على انفجار هذه الأخيرة، إلا أن تحولاتها كانت سريعة من حيث الوقع، وهي في الوقت نفسه طويلة التفاعل زمناً، لأنها لا تزال متفاعلة بأشكال مختلفة، وتبقى متجددة بصيغ متفاوتة. أطراف الصراع في ساحة الهيمنة، هم أنفسهم لم تتغير هوياتهم، وإن تغيرت أدواتهم. فأولئك الذين كانوا يهيمنون بـ ''أسلحة'' فكرية ''شعبية''، صاروا يحاربون في هذه الساحة بالأسلحة نفسها التي يحارب بها الطرف المقابل. مع ضرورة الإشارة إلى أن ''الذخيرة'' نفسها، لم تعد مطلقة لكل الأطراف دون استثناء.
في الساحة .. الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، ولا بأس بوجود الهند والبرازيل من ''ضيوف الشرف''، إن جاز الوصف. صحيح أن أدوات الصراع - الحرب ليست جديدة، وبالتالي يمكن الوصول إلى الاستنتاجات دون عناء، إلا أنه يغيب عن ''المتحاربين''، بإرادتهم، حقيقة أن الأطراف نفسها لم تعد تشكل القوى التي يمكنها أن تنتصر في صراع الهيمنة، ليس لأنها قديمة، بل لكون آليات الهيمنة نفسها تتغير، لحساب الآليات التي تملكها التجمعات الإقليمية. تلك التجمعات التي يصعب العثور على أي من ''المتحاربين'' أنفسهم بعيدا عنها. فهو إما طرفا أساسيا فيها، أو مشاركا، أو حتى ''ضيف شرف''. وعلى هذا الأساس، فإن الهيمنة (لو اكتملت أركانها)، لن تمثلها القوى التقليدية الكبرى، بل التجمعات الإقليمية التي بلا شك سيكون لهذه القوى، الدور الرئيس فيها، ولكن ليس المهيمن، لأن مفهوم الهيمنة نفسه بات متغيراً، وأصبح خاضعاً لمعايير متجددة. إن العملية برمتها لم تعد مرتبطة بما يملك هذا الطرف أو ذاك، أكثر مما يؤثر هذا الطرف في ذاك.
في أعقاب الأزمة (على سبيل المثال)، أخذت مجموعة العشرين زمام المبادرة، وهي الآن تسيطر بصورة مختلفة على القرار الاقتصادي العالمي. والأمر نفسه ينطبق على تجمع مثل الاتحاد الأوروبي، وحتى الاتحاد الآسيوي المعروف باسم ''آسيان''، والكتل المتعاظمة التي تتشكل على ضفاف البحار والمحيطات. إن العالم بات أكثر نضجاً، فحتى شعوب الدول الكبرى التقليدية، لم تعد مهتمة بهيمنة دولها. وهي كغيرها من الشعوب يهمها الازدهار الاقتصادي، لا الصراع الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي