اقتصاد بريطانيا .. معضلة النمو
لن تهدأ الضغوط على الاقتصاد البريطاني، وهو لا يزال يمر بفترة حرجة خرجت منها اقتصادات كبيرة عدة أخرى، على المدى المنظور. هذه الضغوط أضافت مزيداً من "الأعباء" السياسية على كاهل حكومة كير ستارمر العمالية التي مر عام تقريباً على تشكليها. وبالرغم من الانفراجات التي حدثت في الأشهر الماضية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر اتفاقات ثنائية جديدة، إلا أن ضغوط التضخم بقيت على حالها، وفجوة العجز في الموازنة العامة بقيت على اتساعها.
إن النمو المأمول لا يزال بعيداً، بل أن شبح الركود بات يلوح في الأفق. لا يمكن ربط الوضع الاقتصادي الراهن بعد الآن، بإرث الحكومة من حكومات حزب المحافظين السابقة. فعلى الإدارة الحالية أن توفر الحلول، أو الرؤى المطمئنة للناخب البريطاني.
المرحلة الاقتصادية حساسة جداً الآن، وترتفع هذه الحساسية مع تراجع حراك التوظيف في البلاد. ففي غضون أشهر انضم أكثر من 180 شخصا إلى قوائم العاطلين عن العمل، والسبب لا يرتبط بالنمو الضعيف جداً فقط، بل يتصل أيضاً بضغوط ضريبية أنهكت الحراك الاقتصادي العام، وأخرى مالية.
وبعيداً عن انقسامات المشرعين بشأن الفائدة، فقد أقدم بنك إنجلترا المركزي على خفض متواضع أخيراً لتكاليف الاقتراض بلغ ربع نقطة مئوية. وهذا مستوى لا يحرك في الواقع مسار النمو إلى الأمام. فما تزال الفائدة عند حدود 4%، أما التضخم يبقى مرتفعاً عند 3.60%، أي فوق 2% الحد الأقصى الرسمي، ما يزيد من حجم الضغوط.
وإذا كان المشرعون البريطانيون يستهدفون بدء سياسة تيسير نقدي "بحثاً" عن نمو مقبول، جراء الخفض الأخير للفائدة، فلا يبدو أنهم سيجدونه بتكاليف اقتراض بقيت مرتفعة. في الواقع تراجع النمو في الربع الثاني من العام الجاري إلى 0.3%، من 0.7% في الربع الذي سبقه. بمعنى آخر، أن التباطؤ صار حاضراً، حتى أن التوقعات تشير إلى تراجع النمو في الفترة المتبقية من العام الحالي.
المهمة صعبة أمام وزيرة المالية ريتشيل ريفز التي تبدو مصرة على التقشف، لسد فجوة العجز، على عكس الحكومات السابقة التي لم تكن تهتم بهذا الجانب بالفعل. لن يحرك الاقتصاد البريطاني سوى التيسير النقدي، وهذا الأخير ليس "محبباً" عند حاكم بنك إنجلترا المركزي أندور بيلي، إذا ما كانت محاضر التضخم مرتفعة. وهي كذلك بالفعل.
ويبدو واضحاً أن موقف المشرعين البريطانيين هذا، لا يختلف عن موقف نظرائهم على الجانب الأمريكي. فالأولوية لكبح جماح التضخم، حتى ولو أدى الأمر إلى تباطؤ في النمو. والذي يضمن استمرار هذه السياسة على الجانب البريطاني، وجود تناغم واضح بين المشرعين المستقلين وحكومة كير ستارمر. في المحصلة، سيواصل الاقتصاد البريطاني وتيرة أدائه الراهن، وسط تراجع متواصل في شعبية حكومة لم يمر عليها في "دواننيج ستريت" عام واحد.
كاتب اقتصادي