لماذا تتخوف بعض مؤسساتنا من طلبات الإعفاء من المواقع القيادية؟

أكد مدير مكتب التربية والتعليم في صفوى، عدم صحة ما تناقلته بعض المواقع الإلكترونية بخصوص طلب مدير مدرسة العوامية المتوسطة إعفاءه من منصبه على خلفية حادثة إطلاق النار على ثلاثة من المعلمين أمس الأول، مشيرا إلى أن مدير المدرسة من خلال التواصل المباشر معه فَنَّد هذه الشائعات، مؤكدا استمراره في موقعه الحالي لمواصلة عطائه في العملية التعليمية.
من جهته، نفى مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة القطيف علمه باعتزام مدير مدرسة العوامية المتوسطة، التي تعرض ثلاثة من طاقمها التدريسي لإطلاق النار، الاستقالة وطلب إعفائه من منصبه، مشيرا إلى أن المدرسة المذكورة تابعة لمكتب التربية والتعليم في صفوى، وبالتالي فإنها لا تمت بصلة لمكتب التربية والتعليم في القطيف، مضيفا أن طلب مدير المدرسة إعفاءه من منصبه انتشر في الساعات الماضية، بيد أنه لا يستطيع التأكيد أو النفي نظرا لعدم وجود ارتباط مباشر بين مكتب التربية والتعليم في القطيف والمدرسة المذكورة. كما رفض مدير المدرسة تأكيد أو نفي طلب إعفائه من منصبه، طالبا الحصول على المعلومات من مكتب التربية والتعليم في صفوى، باعتباره الجهة الرسمية المخولة بالتصريح لوسائل الإعلام.
ونحن لا يهمنا هل طلب مدير المدرسة إعفاءه من منصبه أم لا، ولا يهمنا تأكيد الخبر من عدمه، بل لا يهمنا الخبر ذاته، لكن بيت القصيد هنا هو محاولة إدارات التربية والتعليم والمكاتب التابعة لها إنكار الإعفاء ووضع مبررات ومحاولة تغطية الموضوع وكأنه جرم إداري وحادثة تنظيمية لم يسبق لها مثيل في تاريخ التربية والتعليم، وأظنها تحاول استرضاء المدير وتقديم التسهيلات له حتى يبقى في منصبه ويواصل عمله. ونحن لا ندري لماذا هذا التخوف من طلب الإعفاء من قبل كثير من مؤسسات الدولة، ما يحتم علينا أن نضع مثل هذه الظاهرة تحت المجهر لنحلل تخوف منظماتنا من طلبات الإعفاء، خصوصا الإعفاء من المواقع القيادية، وكي نغطي الموضوع سنستعرض الأسباب المحتملة لطلب البعض الاعتذار والإعفاء من بعض الأعباء الإدارية أو من موقع قيادي مكلف به.
البعض يرى أن ظاهرة طلب الإعفاء دخيلة على بيئتنا الإدارية، وبهذا فإنه يظن أن الأمر غير لائق؛ لأنه قد يسب حرجا للمسؤول المباشر الذي رفع الترشيح لطالب الإعفاء، وهنا ينظر بعض المسؤولين على أنه زهد في الوظيفة الحالية حتى لو كانت قيادية، وبهذا فطالب الإعفاء عندما يقدم طلب إعفائه من منصبه، فإنه يتحرك بحرية حتى لو رفض طلبه فلم تعد هناك حاجة إلى المنة أو التفضل أو إسداء المعروف إليه، ولسان الحال يقول ''أنتم من تحتاجون إليّ''، وبهذا فقد أصبحت الغلبة له والقرار في يده. فطلب الإعفاء يعني هنا التحلل من أي إخفاق قد يحدث في المستقبل، وقد يستثمره طالب الإعفاء عند وقوع أي انحراف في تحقيق الأهداف، فيوثق طلب الإعفاء مبكرا حتى لا يجير الفشل الذي ينتظر المؤسسة التي يعمل فيها إليه، وبهذا فهو ينتشل نفسه من إخفاق منتظر.
قد يلجأ بعض موظفي الدولة والقطاع الخاص أيضا ومنهم قياديون، إلى طلب الإعفاء خوفا من التضحية بهم على مبدأ ''تغذى بهم قبل ما يتعشون بك''، فيقوم الموظف أو القيادي بطلب الإعفاء من وظيفة مكلف بها – ليست وظيفته الأصلية - حتى يحرج القيادة العليا، ويرسل إليهم رسالة مبكرة ومبطنة مفادها بأنه هو الذي استغنى عنهم وليس العكس، وهذه الظاهرة تكثر في المنظمات التي ليست لديها إجراءات واضحة في اختيار القيادات التي لم تبن فلسفتها الإدارية على مبدأ المنشأة الرائدة، بل على نظرية القائد الفذ. قد يقوم البعض بتقديم طلب الإعفاء حتى يلوي ذراع القيادة العليا ومتخذي القرارات في منظمته كي تلبي طلباته، فهو يعلم أن طلب الإعفاء غير مستحب في بيئاتنا التنظيمية، وأن هذا سيحرج المسؤول في أي دائرة أمام الإدارة العليا ويضعها في موقف لا تحسد عليه، فيبدأ يستثمر هذا لمصلحته، فيجبر القيادات على التعاون معه وتحقيق أهدافه الشخصية والتنظيمية.
هناك أسباب أخرى منها أن البعض يظن أن العمل القيادي ماتع وله مزايا متعددة، وقد قبل به من أجل أن يستفيد من المميزات التي تمنحها هذه المواقع، لكن عندما خاض التجربة وجد أنها عملية مضنية، وأن المزايا التي يتمتع بها لا تعادل ألبتة المجهود الذي يبذله، لهذا استغل أبسط سبب وقدم طلب إعفائه ليعود إلى حياته الهادئة مرة أخرى. وهذا النوع من القيادات يقارن بين التكلفة والعائد، ولا يهمه كثيرا المواقع القيادية التي سيشغلها، بل الامتيازات التي تتبعها، فوجد أن من مصلحته ترك العمل القيادي مبكرا.
ورغم كل هذه الأسباب إلا أن طلب الإعفاء ظاهرة إدارية صحية يفترض عدم الخوف منها، فهي تهذب اختيار القيادات، وعندما تكثر هذه الإعفاءات في منظمة بعينها، فإنها تدل على أن السلوك التنظيمي يريد أن يعود إلى مساره الصحيح، فيتم تهذيب قواعد اختيار القيادات وإخضاع القياديين المنتظرين لبرامج تسمى برامج إعداد القادة وهجر الطرق التقليدية، فكثير من المواقع القيادية في كثير من مؤسساتنا تمنح بناء على علاقات شخصية دون أي اعتبار آخر.
ننتمى من إداراتنا ومؤسساتنا عدم التضجر من كثرة طلب الإعفاءات والاعتذار عن المواقع القيادية بعفوية، وعليهم أن ينظروا إليها على أنها جزء من السلوك التنظيمي والنمط القيادي، وألا يعطى الموضوع فوق ما يستحق، فها هي إدارة التربية والتعليم في القطيف اهتمت بطلب الإعفاء المقدم من مدير المدرسة وأهلمت القضية الأساسية، قضية إطلاق النار على المعلمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي