«آسيان» .. وتهديد سلطة الدولار

تشكل اتحاد دول جنوب شرق آسيا المعروف اختصاراً بـ (آسيان)، عام 2015 كحد أقصى للوصول إلى ما أصبح يعرف بـ ''مجتمع آسيان''. وهذا التجمع يحقق بعض الإنجازات، ولكن ليس كما يتمنى المتحمسون له، خصوصاً مع عدم اكتمال الصيغة المناسبة للحوار والتعاون بين دول الاتحاد، والبلدان الآسيوية الأخرى الكبرى والصغرى، وفي مقدمتها اليابان والصين وغيرهما. ولعل أهم ما يميز هذا الحوار، تفهم الأطراف خارج (آسيان) للاستراتيجية التي وضعتها المجموعة، والأهداف الراغبة في تحقيقها سواء في عام 2015 أو بعد ذلك. والحق، أن الإطار العام للاتحاد لن يكتمل إلا بوجود حوار منطقي مع دول محورية كالهند والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إضافة طبعاً إلى الصين واليابان. فالحوار نفسه، بات يشكل محوراً بالنسبة لـ (آسيان)، مع ضرورة الإشارة إلى الاهتمام الخارجي بمستقبل الاتحاد المذكور.
يُطرح كثير من الأسئلة حول الآثار التي يتركها (آسيان) على الاقتصاد العالمي. فالدول العشر التي تشكل الاتحاد، تحتضن ما يقرب من 600 مليون نسمة، وبعض هذه الدول حقق ازدهاراً بات مثالاً يحتذى حتى في الدول الغربية الراسخة، خصوصاً تلك التي استطاعت أن تنجو بأقل التكاليف الممكنة من ''قنبلة'' الأزمة الاقتصادية العالمية. وتتمتع دول الاتحاد بقدرات إنتاجية كبيرة جداً، لا يصل مستواها بالتأكيد إلى المدى الذي وصلت إليه القدرات الإنتاجية الصينية، لكنها بلا شك، كبيرة ومتنوعة ومؤثرة. هذا الوضع المناسب لتحقيق الخطوات الاتحادية بصورة مُرضية، يواجه مشكلات ثنائية تاريخية يسعى (آسيان) إلى حلها، أو على الأقل لخفض آثارها السلبية على الحراك العام للاتحاد. وتظل المنازعات بين عدد من دول المنطقة المطالبة بملكية الجزر الواقعة في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك الصين وتايوان وماليزيا والفلبين وفيتنام، تشكل أرقاً لا ينتهي.
غير أن المنازعات موجودة حتى في تجمعات إقليمية أكثر رسوخاً. وإن بقي تأثيرها السلبي، إلا أنه يظل دون المستوى الذي يهدد (آسيان) بدوله الراغبة في الرخاء والنمو والازدهار، ومع هذا كله التأثير المباشر على الساحة الاقتصادية العالمية. وفي القمة الأخيرة لـ (آسيان) التي عقدت في بروناي أكتوبر الماضي، كانت المنازعات حاضرة، وكذلك دول ما بات يعرف بـ ''شركاء الحوار''. وبالطبع كانت الأهداف التي تسعى دول الاتحاد لتحقيقها بحلول عام 2015، على رأس جدول أعمال القمة، التي طرحت أسئلة على هامشها، تدور حول ''سلطة آسيان'' الاقتصادية على الساحة العالمية، بما في ذلك الآثار التي قد تتركها على هيمنة الدولار الأمريكي عالمياً، دون أن ننسى، أن مصير العملة الأمريكية أصبح مطروحاً دائماً، بصرف النظر عن مستوى واقعية الطرح. والحقيقة، أن النفوذ الاقتصادي الأمريكي بات هو نفسه مثار تساؤلات، ولا سيما في ظل الآثار السلبية التي تتركها المنازعات السياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، فضلاً عن عدم توافق الإصلاحات الاقتصادية (ما بعد الأزمة) مع الاستحقاقات التي تتركها المتغيرات الدولية بشكل عام.
من المبكر الحديث عن إمكانية الإطاحة بالدولار الأمريكي في المستقبل المنظور. وبالتالي ليس وارداً في هذه المرحلة أن تتقدم دول مثل بلدان (آسيان) في هذا المجال، خصوصاً أنها لا تزال في مرحلة التكوين، يضاف إلى ذلك، أن بلدان الاتحاد الآسيوي المذكور، لا تتمتع كلها باقتصادات قوية يمكن أن تصنع شكلا اقتصادياً جديداً على الساحة العالمية، أو تؤثر بصورة أكثر محورية مما هي عليه الآن. على رول (آسيان) المضي قدماً في تنفيذ مشاريعها، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمنازعات الوطنية أو الجغرافية، كما أنها بحاجة إلى فترة من التمكين ما بعد عام 2015، تؤسس لنفسها مركزية اقتصادية لا يمكن للاقتصاد العالمي تجاهلها. صحيح أن (آسيان) أصبح رقماً مهماً، لكنه لم يصل بعد حالة ''الرقم الصعب''. إن المسألة كلها ترتبط بما يتحقق إقليمياً أولاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي