لماذا يريد الطلاب حرق المدرسة؟
قبضت الأجهزة الأمنية في محافظة جدة على أربعة طلاب حاولوا إحراق مدرستهم الثانوية أكثر من مرة. وكشف مدير عام التربية والتعليم في محافظة جدة عبد الله الثقفي ــــ وفقا لـ "عكاظ" ــــ أن هؤلاء الطلاب الأربعة تكررت منهم حالة تعمد إحراق المدرسة أكثر من مرة، وهم مصرون على تحقيق هدفهم ولو بعد حين. وقد ذكر مدير التربية والتعليم أنه تم التحقيق معهم من قبل المدرسة، وقد اعترفوا بتكرار المحاولة، عندها تم تسليمهم للشرطة لاستكمال التحقيق معهم. وأكد مدير التربية والتعليم أن مدارس جدة تنبذ مثل هذه الأفعال غير المقبولة من هؤلاء الطلاب الذين يحاولون إيذاء زملائهم بإشعال الحرائق في مدرستهم وتعريض الأرواح والممتلكات للخطر، داعيا الطلاب إلى نبذ مثل هذه الأفعال والتركيز على الأمور التربوية ــــ حسب قوله.
ومع استنكارنا لهذه الفعلة ورفضنا التام لها ونبذنا إياها، إلا أنه يجب أن نتوقف عندها قليلا، خصوصا أن هؤلاء الطلاب مُصرون على حرق المدرسة، كما لا أظنهم بمفردهم، فهم يمثلون شريحة من طلاب المدارس وكأن هناك من ينوى عملا مماثلا وهو فقط يتحين الفرصة للقيام بمثل هذه الجريمة. كنا نريد من مدير التربية والتعليم في جدة ألا يصعد الأمر ويستدعي الشرطة، بل يتعين عليه أن يتولى الأمر بنفسه ويعالج السلوك المشين بضده، وقد كان من الأجدر أن يسأل نفسه هذا السؤال: لماذا يريد الطلاب حرق المدرسة؟ ولماذا يتكرر منهم هذا الفعل؟ وهل هناك طلاب آخرون ينتظرون الشرارة ثم يلحقون بزملائهم؟ المشكلة ليست في الفعل بل كيف اتخذ هؤلاء الطلاب قرارهم بحرق المدرسة بما فيها من أنفس وحجر. ولماذا الحرق بالذات، ألا توجد وسائل أخرى للانتقام من المدرسة دون حرقها؟ هذه هي الأسئلة التي كان من المفترض من مدير التربية والتعليم في محافظة جدة أن يجيب عنها قبل أن يستدعى الجهات الأمنية ويعرض الموضوع في الصحافة.
يبدو أن البيئة المدرسية تمثل لهؤلاء الطلاب ذكريات بائسة وهي تمثل لهم ماضيا مريرا ويريدون أن ينتقموا، ليس من شخص بعينه بل من نظام تربوي لم يستطع أن يوجههم ويلبي رغباتهم ويسكن ما يثور بدواخلهم، ويرون أن المدرسة تمثل هذا الرمز.
نتمنى أن تكون حادثة محاولة حرق ثانوية جدة هي الأولى والأخيرة وألا تتكرر مرة أخرى حتى تصبح موضة وتمثل بطولة يتفاخر بها الطلاب بين أقرانهم. وحتى لا نصل إلى ذلك أريد أن أذيل مقالي هذا ببعض المقترحات لـ "التربية والتعليم" التي قد ذكرتها من قبل وسأكررها ولو أصابهم منها الملل. أقول لـ "التربية والتعليم" عليكم بالاهتمام المبالغ فيه بالمعلم، ثم المعلم، ثم المعلم، ثم مدير المدرسة. هذان هما المحوران الأساسيان لأية مؤسسة تعليمية، ولو أن التربية والتعليم بذلت القليل من الاهتمام بالمعلم لما وصل بنا الأمر إلى أن نجد من أبنائنا من يتعمدون إحراق مدرستهم، ولا كنا نجد من أبنائنا من يحمل السلاح الأبيض في مدارسهم ولا كنا وجدنا من أبنائنا من يعتدون على معلميهم بالضرب. لا نريد مباني مدرسية حديثة ولا نريد صالات رياضية واسعة، ولا نريد أساليب تقنية، لا نريد كل هذا بل نريد معلما ناجحا ومدير مدرسة فذا، أكرر نريد معلما ناجحا ومدير مدرسة فذا فقط.
نريد المعلم الذي يحترم ذاته ويجبر الطلاب على احترامه ونريد مدير المدرسة الذي يقدر موقعه فيهابه الطلاب. فما بين الاحترام والهيبة تدار الصروح العلمية. الذي نلاحظه أن الطالب في مدارسنا غير مقتنع بكثير من المعلمين وينظر إليهم على أنهم عبء على الوجود وجودهم، بل إنه ليس هناك حاجة إليهم فلا يراهم يبنون أنفسا ولا يشيدون عقولا ولا يعدلون سلوكا ولا ينقلون معرفة ولا يحافظون على علم، وما هم سوى مجموعة من الموظفين يغدون إلى أعمالهم كل صباح ثم يعودون إلى منازلهم قبيل الظهيرة، وهذا هو بالضبط ما يقوم به الموظفون، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه مهمة المعلمين. أما المديرون فيمكن تصنيفهم إلى نمطين؛ النمط الأول يصعب أن يطلق عليه مدير مدرسة، بل شرطي أمن يجلد الطالب القوي حتى تنهار قواه ويهين الضعيف حتى يفقد إنسانيته. أما النمط الآخر فمتسيب وهو آت إلى إدارة المدرسة من الأبواب الخلفية، تسلل إلى هذا الموقع من أجل أن يعفي نفسه من الحصص لأنه في الأصل دخيل على المهنة، فبدأ كمدرس وعندما فشل في مهمة الرسل تمت مكافأته بتعيينه وكيلا للمدرسة ثم عين مديرا. هذه هي الأنماط التقليدية من مديري المدارس التي نراها في إدارات التربية والتعليم وهي لا تنطبق على ما يجب أن يكون. فمهمة مدير المدرسة مهمة صعبة للغاية لا يتقنها الكثيرون، وهي تحتاج إلى رجل بمواصفات فردية أو ما يطلق عليها علماء النفس الشخصية الفولاذية، أي التي لديها مزيج من القوة واللين والحسم والتراجع والقسوة والعطف، ويعرف بالضبط متى يستخدم كل هذه المهارات، بل يجب أن يكون قادرا على استخدامها بقدر في اليوم الواحد عدة مرات. المدير الناجح هو ذلك الرجل الذي يحترمه ويهابه المعلمون والإداريون والطلاب حتى الطلاب خارج المدرسة يحسبون له حسابا.
نريد مزيدا من الاهتمام بالمعلمين والمديرين يا وزارة التربية والتعليم، كما نرجو الابتعاد عن الكماليات من تغيير المناهج والاستثمار المبالغ فيه في التقنية والبذخ في البنية التحتية دون حاجة. لا ندري لماذا لا تبذل "التربية والتعليم" الوقت الكافي لتحديد حاجياتها ونقصها وتحدد بالضبط إخفاقاتها وترتب أولوياتها ثم تشرع في تنفيذها ولو أخذ منها ذلك وقتا طويلا، فالطلاب تنقصهم القدوات لا يوجد أمام أعينهم قدوات، فلا يرون في بيئاتهم من يروى مخيلتهم ويستحضر المجد في أذهانهم ويرون النجاح أمامهم، وعندما فقدوا القدوات ضلوا الطريق حتى وجدوا أنفسهم مجرمين ومخربين ومنتقمين.