صورة الآخر.. عندنا وعندهم
تحت شعار ''صورة الآخر'' يعقد في هذه الأيام في مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا سلسلة من الندوات التي تستهدف تقديم الإسلام في شكله الحقيقي بعيداً عن تهمة إقصاء الآخر، وهو الإقصاء الذي أُلصق بالإسلام من قبل فئات تمتهن التضليل، وتمارس شتى ألوان العنصرية المقيتة ضد دين الإسلام الحنيف الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات يحمل مشعل الإسلام الحقيقي ويبعث رسائل ضد أنصار الكراهية وصدام الحضارات، ويهدف المركز إلى نشر القيم الإنسانية وتعزيز التسامح والسعي إلى تحقيق الأمن والسلم والاستقرار لشعوب العالم أجمع، كما يهدف المركز إلى احترام الاختلاف بين أتباع الديانات، ويشجع على التوافق بين الجماعات، ويقدم الإسلام الوسطي في صورته السلمية الغراء.
ولعل أهم ما تنطوي عليه أجندة مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين الديانات هو وقف الإساءات التي طالت الأديان السماوية ورموزها، وبالذات الإساءات التي تجرأت على الذات الإلهية وعلى نبينا وسيد البشرية محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ، كذلك يسعى المركز إلى وضع منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة تدعم أواصر الأسرة الدولية وتحمي الموروثات الحضارية والمصالح المشتركة لمصالح عالم يسوده احترام الأديان وتعزيز القيم الإنسانية والحرص على التعايش السلمي المشترك.
وفي أجندة المركز سعيه إلى استصدار قرار من هيئة الأمم المتحدة بتجريم المساس بالمقدسات والرموز الدينية ورفض كل المبررات القائلة إن التجرؤ على الأديان ورموزها هو من باب حرية الرأي، وإنما على عكس ذلك فإن التجرؤ على الأديان ورموزها يجب اعتباره اعتداء على حقوق الإنسان وحقوق البشرية جمعاء.
ويعتبر مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين الديانات والثقافات الرد العملي المعتدل ضد أصحاب نظرية صدام الحضارات، وبالذات ضد برنارد لويس وصديقه صامويل هانتجتون اللذين بشرا بنظرية صدام الحضارات وطلبا من تجار الحروب في الغرب شن حرب صليبية واسعة الأرجاء ضد الإسلام والمسلمين في كل أنحاء الكرة الأرضية.
يقول برنارد لويس إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُركوا فسيفاجئون العالم الغربي المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك يرى لويس أن الحل السليم للتعامل مع دول العالم الإسلامي هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وطالب أمريكا أن تقوم بهذا الدور وأن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان البريطانية والفرنسية. ويمضي الداعية الماسوني برنارد لويس موجهاً تعليماته للإدارة الأمريكية بقوله: إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك إمّا أن نضعهم تحت سيادتنا أو نضيعهم ونبعثرهم، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، ويمضي لويس قائلاً ''لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية ــــ دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ــــ ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، كذلك يرى لويس ضرورة تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها وإشعال الحروب الطائفية بينها، واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، ويطالب لويس بتعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، وضرب لويس المثل بما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر في القارة الأمريكية الحمراء.
ولم يكتف لويس بالدعوة إلى تدمير الإسلام والمسلمين بل يتمادى في حقده ويقدم روشته إلى الغرب لتقطيع دول العالم الإسلامي، ومنها تفكيك دول المغرب العربي وإحلال دولة البربر محلها، وإلغاء كيانات دول الخليج وتأسيس دويلات طائفية شيعية وسنية محلها، وكذلك تقطيع العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية، ثم تقسيم سورية إلى دويلات عرقية وإلغاء الوجود الفلسطيني من الخريطة تماماً من أجل عيون إسرائيل، حتى لبنان المقسم الذي وقع فريسة تفتيت غربي سابق على يد سايس ورفيقه بيكو لم يسلم من تقسيمات لويس، فقد طرح لويس فكرة تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، وكذلك طال لويس إيران وأفغانستان أوزبكستان وباكستان وفتتها إلى دويلات عرقية ومذهبية ودينية.
وفي إطار حربه العنصرية على الإسلام أطلق لويس في عام 1990 مصطلح ''صراع الحضارات''، وقام الأكاديمي صامويل هانتجتون ــــ مع الأسف ـــــ باستخدام المصطلح في كتاب أصدره بعنوان صدام الحضاراتThe Crash of Civilizations.
ولكن المملكة العربية السعودية من ناحيتها قدمت إلى المجتمع الدولي مشروعها الحضاري حوار الأديان والثقافات، الذي انطلق من قلب أوروبا وإلى العالم أجمع يدعو إلى الحوار والسلام لا الحروب والصدام، مؤكداً أن الإسلام يدعو دائماً إلى الاستقرار والأمن ونبذ الحروب في كل أنحاء العالم.