دواء بـ 15 مليونا

يفكر راسل كريستوف، ألف مرة قبل أن يدخل الصيدلية. يتحاشى زيارتها قدر الإمكان. لا شيء يفسد مزاجه كرائحة الأدوية. كانت أصعب مهمة يقوم بها هي أن يدخل صيدلية أو مستشفى. يضطر في أحيان عدة إلى أن يتكبد دفع رسوم إضافية؛ ليكشف عليه الطبيب في شقته، هربًا من مواجهة عدوه اللدود وجها لوجه.
تعرض كريستوف في خريف 2002 إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة وضيق في التنفس جعل طبيبه يصف له مضادا حيويًا. لم يجد خيارًا أمامه سوى زيارة الصيدلية الكبيرة في مدينته؛ ليستعيد ابتسامته وحيويته. تحامل على الفوبيا، التي يعتنقها ويمم وجهه شطر الصيدلية. توجه فور أن دخل إليها إلى الصيدلية المناوبة. أخذت منه الوصفة الطبية وسألته أن ينتظر قليلا حتى تجلب الدواء له. استرعى انتباهه أثناء انتظاره عرض خاص لعلب قهوة نسكافيه. ما لفت نظره ليس العرض أو نوع القهوة، وإنما صورة (عارض الأزياء) على علبة القهوة. إنه هو عندما كان شابًا. حمل العلبة في يده مدهوشا ورحى الأسئلة تدور في رأسه: هل هو أنا فعلا؟ من أين حصلوا على صورتي؟ من سمح لهم؟ وبينما الأسئلة تموج في داخله نادته الصيدلية لتعطيه دواءه. لكنه لم يأخذه. ناولها علبة القهوة. سألها: من هذا الذي يظهر على هذه العلبة؟ أجابته: ''أنت... أليس كذلك؟''. انتزع من يدها علبة القهوة بعد أن دفع حسابها وغادر الصيدلية. نسي الداء والدواء. سلبته صورته كل آلامه. اتصل على صديقه المحامي قائلا: سأحضر إليك فورًا. أحتاج إليك في قضية عاجلة. رد المحامي بأن عليه الانتظار ساعتين حتى يفرغ من موعد مجدول. لم يكترث كريستوف. ذهب إلى مكتب صديقه. انتظره في غرفة الضيوف حتى ينتهي موعده. استرجع في تلك اللحظات كل العقود، التي أبرمها عندما كان عارض أزياء شاب. كانت عقودا قليلة مع شركات ملابس رياضية ودور أزياء رجالية، لم يكن من بينها أي شركة قهوة. لكن بعد أن جال قصيرًا في رأسه تذكر أن شركة نسكافيه تفاوضت معه قبل 19 عامًا على استخدام صورة التقطها له مصور تعاقدت معه الشركة الشهيرة لصناعة القهوة. بيد أنه يتذكر جيدًا أنه لم يصل إلى اتفاق معها، فهو يدرك جيدا أنه لم يجن الكثير من عمله كعارض أزياء. لقد وعدته نسكافيه أن تفكر في الرقم الذي عرضه شرطًا للموافقة على عقدها، لكن الشركة لم تعد إليه ما اعتبره رفضًا.
حينما فرغ المحامي من لقائه سمح لكريستوف بالدخول وإفراغ ما في جعبته. بعد أن انتهى من حديثه، طلب المحامي منه تزويده بأي مستندات يملكها حول الحادثة. ولحسن حظه عثر على العرض السابق لنسكافيه الذي لم يوقعه كريستوف.
قام المحامي بعد نحو تسعة أشهر من العمل المكثف والبحث الدقيق على صياغة الدعوى وتجميع القرائن.
في عام 2005 أمرت هيئة محلفين في محكمة في لوس أنجلوس في أمريكا بدفع نستلة (مالك شركة نسكافيه) لراسيل كريستوف نحو 15 مليون دولار لاستخدام صورته دون إذنه والاستفادة منها. ويعتبر هذا المبلغ 5 في المائة من أرباح الشركة من مبيعات علبة القهوة، التي حملت صورة كريستوف بين 1997-2003.
وكشفت ''نسكافيه'' لاحقا أن ما حدث هو خطأ من موظف في قسم التسويق وظف صورة كريستوف في أحد المنتجات دون أن يعلم أنها ليست ملكا للشركة.
كان حصول كريستوف، عارض الأزياء السابق، ومعلم رياض الأطفال وقت كسبه القضية، على هذا المبلغ نصرًا كبيرا. لم يغير في رصيده البنكي فحسب، بل في طريقة تعامله مع الأشياء التي ينصرف عنها أيضًا.
تمنى كريستوف أنه دخل الصيدلية مبكرا قبل أن يشيب شعر رأسه ليستفيد من هذا المال في تخطيط حياته بشكل أفضل بعد أن تكالبت عليه الديون وأرهقته.
كثيرًا ما شاهدت أصدقاء وأحبة يقاطعون أماكن وشخصيات لدواع نفسية. من الجميل أن نربي شخصياتنا على خوض غمار التجارب مهما كانت مراراتها وركوب الأمواج العاتية لعل فيها خيرا لا نعلمه. يقول الله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
هناك أشياء نعتقد أنها ستخنقنا، لكن قد تصافحنا، وبحرارة أيضًا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي