تكامل القاعدة الصناعية للبتروكيماويات
من خلال النظر إلى التطورات التي مرت بالمملكة في مجال صناعة النفط نجد أن هذه الصناعة تطورت بصورة مستمرة مكنت المملكة من الاستفادة من تطوير التقنيات لاستثمارها في تطوير هذه الصناعة، فبعد أن كانت الغاية هي استخراج النفط ومن ثم تصديره، أصبح للمملكة قاعدة صناعية لصناعة البتروكيماويات، وبعد هذه المرحلة أصبح الاهتمام منصباً على الاستفادة من المواد الأولية للبتروكيماويات لتحويلها إلى قاعدة صناعية تتطور لتصل إلى منتج نهائي يستفيد منه المجتمع في تكوين قاعدة صناعية كبيرة تحقق تنوعاً في القاعدة الاقتصادية وتقلل الاعتماد على النفط كمورد رئيس، وتوجد فرص كبيرة للدخل وزيادة في الناتج القومي وفرص العمل للمواطنين وتحقق وفرة وتحسن في الدخل بدلا من اعتماد البعض على الإعانات الاجتماعية.
في كلمة ألقاها الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد وزير البترول خلال مشاركته الأخيرة في المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات ''جيبكا''، تحدث فيها عن رؤية مختلفة فيما يتعلق بالصناعات التي تعتمد على النفط، ففي الوقت الذي يتحدث البعض فيه عن أن النفط أصبح سلعة ستؤول إلى النضوب، أو أن الطلب سيقل عليه بسبب وجود بدائل أخرى مثل الطاقة المتجددة أو الغاز الصخري، ولكن هناك نظرية أخرى تتحدث عن أن الطلب على الطاقة سيزيد بسبب زيادة عدد الطبقة المتوسطة في العالم، والزيادة في عدد السكان ستزيد في حجم الطلب على الطاقة، وما يتم استخراجه لن يفي بحجم الزيادة في الطلب، أما ما يتعلق باحتمال نضوب النفط، فإن النظرية السائدة سابقاً بأن النفط مورد سينضب قريباً يواجهها رأي آخر يقول إنه لا يزال في العالم مخزوناً كبيراً من النفط، ولكن يحتاج إلى أن تتطور معه التقنيات لاكتشافه واستخراجه.
هذه المعادلة يمكن أن تغير في استراتيجية النظرة إلى النفط، ففي الوقت الذي يرى البعض أن العالم لا بد أن يفكر عاجلاً في بديل للنفط، فإن وجهة النظر الأخرى تقول طوروا تقنيات التنقيب واستخراج النفط، فالعالم لا يستطيع الاستغناء عنه قريباً.
وهذا ما يجعل الخيارات الاستراتيجية تأخذ مسارين: الأول العمل على إيجاد مصادر تؤدي بعض وظائف النفط لتخفيف حدة الطلب عليه، والمسار الثاني أن يتم تطوير تقنيات البحث واستخراج النفط.
وفي المسار الثاني يدعو الأمير عبدالعزيز بن سلمان إلى التكامل في صناعة النفط كما هو الحاصل في تجربة ''أرامكو'' من خلال إنشاء شركة صدارة للبتروكيماويات وشركة بترو رابغ.
هذه التجربة عبارة عن مرحلة للوصول إلى تكامل أكبر في صناعة النفط تصل إلى تكامل يصل به إلى المنتج النهائي من خلال صناعات مثل صناعة المركبات والأجهزة والصناعات البلاستيكية مما يحقق عوائد كبيرة للمجتمع في تطوير القاعدة الصناعية أفقياً ورأسياً، إضافة إلى تقديم قيمة مضافة للاقتصاد تعالج قضايا تتعلق بتحسين سوق العمل من خلال زيادة فرص الوظائف وزيادة في مستوى دخل تلك الوظائف.
لا شك أن هذه نظرة منطقية، ولكن من المهم أن يكون العمل على مسارين في المملكة تتعلق بالعمل على إيجاد بدائل للطاقة من خلال تطوير تقنيات الطاقة البديلة والبحث عن مصادر للغاز الصخري بهدف تقليل حجم الطلب عليها محليا، ويكون التركيز فيما يتعلق بالنفط على الصناعات التحويلية والمنتجات النهائية للنفط خصوصاً أن مشكلة استخدام النفط لا تتعلق باحتمال النضوب فقط، بل تتعلق أيضاً بجانب البيئة والتلوث، إضافة إلى أنه مع زيادة الطلب على الطاقة للاستهلاك المحلي سيحد ذلك من فرص استخدامه في الصناعات التحويلية ومن ثم المنتجات النهائية.
كما أن التوفير في استخدام النفط سيزيد من فرص استفادة الأجيال المقبلة منه، وهذا يستدعي الاستمرار في تطوير تقنيات استخراج وصناعة النفط، إضافة إلى الاستمرار في برامج البحث عن بدائل للطاقة، خصوصاً أن العالم اليوم يتوجه بشكل كبير للبحث عن تلك البدائل خصوصاً الدول الصناعية التي تستورد النفط اليوم، علماً بأن المملكة لديها إمكانات تعزز من فرص قد يكون لديها مكان مهم ومؤثر أيضاً في صناعة الطاقة البديلة، ومن الممكن أن يكون لديها موارد جيدة من الغاز الصخري، وهذا سيزيد من مركزها عالمياً في صناعة الطاقة، ويحقق تنوعاً في دخل المملكة.
فالخلاصة، إن تطور صناعة النفط استراتيجية مهمة للمملكة للاستفادة الأكبر من النفط فيما يعود بقيمة مضافة للاقتصاد، وخلق بيئة أفضل لفرص العمل ولنوع الوظائف ومستوى دخلها، كما أن تطوير صناعة بدائل النفط تعزز من مكانة المملكة عالمياً في صناعة الطاقة.