الغرب والعرب ونظرة عدم المساواة

المساواة كلمة محببة وجميلة وتحمل في طياتها أسمى القيم الإنسانية والأخلاقية وتتبناها جميع الأفكار والأطروحات النظرية، وتشكل ركنا من أهم الأركان التي تستند إليها أغلب الأديان.
والعرب والمسلمون يرددون مرارا نطقا وكتابة في مجالسهم وكتاباتهم الحديث النبوي الشريف الذي يقول: ''الناس سواسية كأسنان المشط''. وهناك أقوال كثيرة أخرى في الإسلام أو الأديان السماوية الأخرى أو الدساتير التي تتبناها أغلب الدول في عالم اليوم.
والمحاكم في الدول العربية والإسلامية تضع صورة أو نقشا أو تمثالا لميزان العدالة مع آية قرآنية تدعو إلى الحكم بالعدل بين الناس.
وأغلب دول العالم الأخرى تضع صورة أو تمثال إلهة العدل الإغريقية التي تحمل ميزان العدل في يد وسيفاً في يد أخرى وعيناها معصوبتان، كل هذا للدلالة على أن الناس سواسية أمام القانون وأن الحاكم أو السلطة لا تنظر ولا تريد أن تعرف ما هو دين الناس ولونهم وجنسهم ومذهبهم وفرقهم وطوائفهم ومناطقهم، لأن همها الأول والأخير هو تحقيق العدل والمساواة.
بيد أن الشكوى الرئيسة اليوم في أغلب أنحاء العالم من الأفراد والمجتمعات والدول تخص عدم إحقاق العدل. الناس تشعر أنها مظلومة وأن العدل الذي تنادي به الأديان والدساتير غير متوافر للكل بصورة متساوية.
وبرزت في القرن العشرين نظريات فلسفية واجتماعية يحاول أصحابها تفسير ظاهرة عدم إحقاق العدل في الدنيا. وهناك نظريات مختلفة، ولكنني أكثر اطلاعا على النظريات التي تحاول تفسير ظواهر اجتماعية مثل هذه من خلال الخطاب واللغة التي يستخدمها البشر، لا سيما أصحاب السلطة والجاه والمكانة الاجتماعية عند المناداة أو المخاطبة أو الكتابة حول الذين يرونهم أدنى من حيث المرتبة الاجتماعية والمكانة الاقتصادية والعلمية وغيرها.
ما نحاول توصيله إلى طلبتنا أو بالأحرى ما أركز عليه في محاضراتي وكتاباتي يتعلق غالبا بالجانب الضعيف من المعادلة الإنسانية. كثيرا ما نتصور أن المشكلة هي دائما في الجانب القوي الذي يملك السلطة والمال والجاه والمعرفة والعلم، حيث يستخدمها لمصلحته على حساب الطبقات الضعيفة.
الضعيف باختصار شديد هو الذي يراه القوي أنه أدنى منه في كل شيء، والضعيف هو الذي لا يرى نفسه ضعيفا فقط بل يتصور أيضا ــــ وهو مخطئ بالطبع ـــــ أن وضعه ممتاز ولا بد منه، وأن القوي له الحق فيما يفعله، لأن ما يفعله هو أساسا لمصلحته.
والنظرة الفسلفية هذه ترى أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إقناع القوي بأنه على خطأ من قبل الضعيف. القوي يشعر بالخطأ متى ما فهم أو جرت توعية الضعيف بأن القوي يضطهده ويستغله لمصلحته أولا وأخيرا.
ومعادلة القوي والضعيف واسعة بسعة الدنيا، ودارسها ومحللها بتمعن استنادا إلى نظريات وطرائق بحث أكاديمية رصينة يراها تمارس في الدين والمذهب والطائفة والدولة والمجتمع والأفراد والعائلة.
سأتناول هذا الموضوع المهم بتفصيل أكثر في رسائل مقبلة بعون الله، ولكن أود تقريب الفكرة من خلال أمثلة بسيطة محددة. الغرب لا يقبل أن ينظر إلى العرب على قدم المساواة ولا يمكن أن يطبق نظرية ''أسنان المشط'' عند التعامل معهم. كثير من العرب الضعفاء يتعاملون مع هذا الوضع ببراءة ويتصورون أن الغرب ينصفهم ويراهم على قدم المساواة معهم، ويتصرفون وكأن هذا واقع الحال، ولكن إن درسنا الواقع الاجتماعي فإننا نرى أن العكس صحيح.
ونستطيع البرهنة على ذلك من خلال الخطاب الديني والمذهبي. الدين القوي ''بمفهوم المعادلة بين القوي والضعيف'' لا يقبل أن ينظر إلى الدين الذي يراه ضعيفا على قدم المساواة وهكذا المذاهب. وبموجب هذه النظرية يتحول أصحاب الدين أو المذهب القوي إلى نخبة ويتحول المختلفون عنهم إلى خانة الضعفاء. وحتى داخل دين الأكثرية أو مذهب الأكثرية توجد معادلة القوي والضعيف.
ولهذا ترى أن المذاهب المسيحية الغربية القوية مثلا لا تساوي بينها وبين المذاهب المسيحية الشرقية، وتحاول تغيير طريقة حياتها وثقافتها الدينية أو المذهبية بشتى الوسائل. وهذا أيضا يحدث لدى المسلمين، فترى أصحاب المذهب القوي في بلد ما لا ينظرون نظرة المساواة إلى أصحاب المذهب الضعيف في البلد نفسه، ويودون تحويلهم بشتى الوسائل كي يصبحوا مثلهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي