مُحاضرة مُزيفة

لمْ أهتم كثيراً باسم المحاضر بِقدر اهتمامي بعنوان المحاضرة, التي تتحدث عن ظَاهِرة الفَسَاد السِياسِي، وهو ما لفت انتباهي، دخلتُ مُتأخراً بعض الشيء، لا بأس فالحضور متأخراً في محاضرة كهذه أفضل منْ عدم الحضور، كانَ يتحدثُ عنْ مفهوم الفسادِ، وأنَّهُ حالة منْ فُقدان قيم النزاهة، وعدم احترام المَبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع، فالفساد نقيض الصلاح.
ثم فرَّق بينَ الفساد والفساد السِياسِي، حيثُ عرَّف الفساد السِياسِي بِأنَّه الاستغلال السيئ للوظيفة العامَّة لخدمة أهداف خاصة ومنفعة شخصية بكل الوسائل والأساليب من استخدام غير مشروع أو هدر لمواردِ الدولةِ، وسرقة أملاك الدولة وتبديد للمال العام وغير ذلك.
الفسادُ مرضٌ، إذا انتشر في مُؤسَّسَاتِ الدولة واستفحلَ فيها أصبحَ وباء، ويطلق عليه اصطلاحاً الفساد النسقي, وهذا بخلاف الفساد العرضي والمؤسسي، المُؤسَّسَات تفسد بإدارة أشخاص فاسدين، والمُؤسَّسَات الفاسدة تتعامل مع أشخاص فاسدين، والتحالُفات تَتَشكَّل بينَ العناصر الفاسدة، قدْ يضيقُ نطاق الفسادِ، وقد يتَّسِع في دولٍ أخرى وصولاً إلى حالة الدولة ''القُرصان''، حيثُ تُهيمن ''المافيا'' وشبكات الفساد على المُؤسَّسَات العامَّة.
ثُمَّ تطرّق المحاضر لأهم عوامل الفسادِ السياسي، وذكر منها العوامل السياسية كأزمة المشروعية السياسية, فصل السُلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، غِياب وعدم فاعلية المُشاركة السياسية، ضُعف الأحزاب السِّياسِية وهشاشة المُجتمع المدني، اختلال النِظام القضائي، أمَّا العوامل الاقتصادية كضعف النمو الاقتصادي وأزمة التنمِية، الاقِتصاد الريعي، التبعِية الاقتصادية للخَارج وأزمة الدين العام، والعوامل الاجتماعية والثَقافِية مِثل انعدام العَدالة التوزيعية وانتشار حالة الاغتراب في المُجتَمع، اختلال القيم الاجتماعية، طبيعة الثقافة السياسية السائدة.
وخَلُصَ إلى أنَّه يُمكن حَصر الآثار الناجمة عنْ الفساد السياسي في جُملةٍ واحدةٍ، وهي أنَّ وجود الفساد السياسي يَسمح بِخلق بِيئة الفساد.. إنَّها الحالة التي يُصبح فيها الفساد السياسي مُنتِجاً للفساد، أي التربة التي ينمو فيها جميع أشكال الفساد، بواسطة آليات وثقافات فاسدة، فتفشل كل جهود التَنمية، فيضعف أداء الحكومة، ويَفشل نِظام الحُكم في إدارة الدولة .. انتهى.
كُنتُ سعيداً بِنوع المعرفة ودسامة المُحتوى لولا أنْ لمحته - أي المحاضر- يقرأ نقلاً بالنص حرفاً حرفاً من كتابٍ بعنوان ''ظاهرة الفساد السياسي في الجزائر'' للكاتب محمد حليم ليمام وليس من ورقة بحثية أعدّها هو، أفسدَ عليَّ مُتعة الاستماع وعكّر صَفوَ مزاجي وندمت أيّ ندم - سامحه الله.
وعندما فُتِحَ باب الأسئلة طلبت الكَلمة، وتحدثت بِلهجة غير لائقة مبدياً غضبي وانزعاجي: ألمْ يكنْ الأجدرَ بِك أنْ تَضع اسم الكتاب أمام عنوان المُحاضرة واسم مُؤلفِه بَدلاً منْ اسمَ المُحاضر فكفيتنا مَشقة الحُضور وعناء السفر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي