سحر فيبوناتشي
كان الإمبراطور الروماني في نهاية القرن الثاني عشر شغوفاً بالتحديات وعقد البطولات والمسابقات في علم الرياضيات، وفي أحد التحديات طلب من المتسابقين معرفة عدد الأرانب الذي سينتج عن زوج من الأرانب محبوس في قفص إذا علمنا أن كل زوج منها سينتج زوجا كل شهر دون حدوث وفيات بعد أحد عشر شهراً؟
وكان من بين المشاركين الإيطالي "ليوناردو بيزا" الملقب بـ "فيبوناتشي" الذي كان شغوفا بالرياضيات وعلوم الحساب ويعود له الفضل في إدخال الكتابة العشرية إلى أوروبا وهي الطريقة العربية التي تستخدم الأرقام من 1-9 مضافا إليها الصفر، خصوصا أنه عمل مع والده في التجارة وتعلم الرياضيات من البلدان العربية التي زارها، وألف أول كتاب له "سفر الحساب"، وتمكن فيبوناتشي من حل المسألة التي منها استنتج متواليته الشهيرة التي تبدأ بالصفر ثم (.....1،1،2،3،5،8) ويتم اشتقاق باقي الأرقام بجمع الرقمين السابقين له ورغم أنه ليس أول من عرفها فقد عرفها الهنود واستخدموها في وزن أشعارهم إلا أنه بإعادة اكتشافها وتعريف الناس بها اكتسب شهرة واسعة وسُميت باسمه تكريماً له.
وهذه المتوالية ليست مجرد أرقام إنها سر عظيم من أسرار الكون انظر إلى بتلات الزهر فتجدها إما واحدة مثل زهرة الزنبق الأبيض أو اثنتين مثل زهرة الفربيون وهو زهر نادر أو ثلاثا أو خمسا وهكذا في تسلسل مطابق لمتوالية فيبوناتشي، وتنمو سيقان وأغصان أغلب النباتات بهذا التسلسل نفسه على مراحل، حيث يكون عدد الأغصان وحتى الأوراق في كل مرحلة مطابقا لأعداد فيبوناتشي!
ألم يشدك يوما منظر النتوءات على ثمرة الأناناس أو الطريقة اللولبية التي انتظمت بها بذور زهرة دوار الشمس ومخروط الصنوبر، إذا أمعنت النظر فيها ستجد أنها تتكون من لوالب عددها يتوافق مع متتالية فيبوناتشي ففي زهرة الربيع تجد 34 لولباً تتجه في دورانها مع عقارب الساعةً و21 لولباً عكس عقارب الساعة!
واستخرج من هذه المتوالية نسباً وأنماطاً عددية وجدت أمثلة حيّة في الطبيعة واستخدمها الأقدمون في البناء "أهرامات الجيزة وهرم المكسيك وغيرها" والزراعة والنشاطات الحيوية وعلم الفلك وتوقع الظواهر الطبيعية واستنتاج ما سيحدث بناءً على حسابات دقيقة قد تصدق وقد تكذب بنسب معينة، مثل استخدام النسب المشتقة منها (0% 38.2%، 50%، 61.8%، 100%) في سوق الأوراق المالية بحيث تستطيع دراسة حركة السوق في الماضي وتوقع ما سيحدث في المستقبل قبل القيام بعمليات الشراء أو البيع وفي التجارة عموما باستخدام حاسبة فيبوناتشي وبمصداقية تزيد على 70 في المائة.
وأشهر تطبيق لها يلامس حياتنا اليومية استخدامها في برمجة الحاسب الآلي في عمليات البحث وهيكلة البيانات.
والمدهش أن هذه الأرقام لا تحل لك مشكله فقط، بل توضح لك لماذا حصلت على هذه النتيجة بالذات مثلاً لماذا يكون ناتج ضرب 13 × 8 = 104 عند قيامك برسم متوالية فيبوناتشي على شكل مربعات تكوّن في النهاية مستطيلاً طول ضلعيه "8 و13"، وبحسابك مساحة المربعات داخله وجمعها ستحصل على النتيجة نفسها "104"، ومن هذا المستطيل المعتمد نفسه على متواليتنا السابقة صنع شعب المايا حاسبتهم "الكيشوا" لتقليل عدد الحبوب اللازمة في زراعة حقولهم!
لقد نشأ لدينا أجيال من الطلبة "يكرهون" مادة الرياضيات ولا يعرفون لها معنى إلا القليل منهم ولحقت بها مواد أخرى هذه الأيام لافتقادنا ربط ما تعلمناه بما نعمله أو ما نراه ماثلاً أمامنا في الكون، وغاب عنا ولفترة طويلة من الزمن ذلك الرابط وتلك العلاقة الوثيقة بين هذا العلم وأسرار الكون ودقة صنع الله ـــ سبحانه وتعالى.