التشريع المنتظر للعمالة المنزلية في الخليج

يمضي مشروع العقد الموحّد للعمالة المنزلية في دول مجلس التعاون الخليجي، بوتيرة جيدة، تتناسب مع الحاجة إلى مثل هذا القانون ـــ العقد. كما أنه يأتي في ظل حراك عمالي تصحيحي تاريخي أنجزته المملكة طوال الأشهر الماضية. فالاختلافات في طبيعة العمالة بين المنزلية وغيرها من أشكال العمل، لا تزال قاسماً مشتركاً فيما بينها، وهو قائم على الحقوق والواجبات والضمانات لكل الأطراف. كما أنه جزء أصيل من حتمية تطور التشريعات، بما تتناسب مع المراحل، وتتناغم مع القوانين والتشريعات العالمية الخاصّة بهذا الشأن. لقد تعرّضت دول الخليج العربية، للكثير من الهجوم، كان يمكن تفاديه، فيما لو أسرعت بوضع قوانين واضحة لكل أنواع العمالة، ولا سيما المنزلية منها. وكان هذا الهجوم، بمنزلة سلاح استخدمته الأطراف التي تستعذب المهاجمة الدائمة على دول الخليج، بمناسبة وبغيرها. والحق، أن دولاً أخرى في الخليج، لا تزال تتعرّض لضغوط على صعيد العمالة بشكل عام، الأمر الذي لا بد من أن يدفعها، للمعالجة بأسرع وقت.
لعل من أهم النقاط الواردة في العقد الخليجي الموحّد للعمالة المنزلية، ترك مسألة مستويات الأجور لكل دولة. وهذه المسألة ليست بصعوبة (مثلاً) توحيد أسعار الوقود في دول المجلس، في إطار مكافحة التهريب، ولكنها يمكن أن تؤخّر إقراراً نهائياً للعقد الموحد المشار إليه. فهناك اختلافات في وضع العمالة المنزلية في كل دولة، وهذا أمر طبيعي، بفعل الفروقات الطبيعية الموجودة بين كل دولة وأخرى. والعقد الموحّد، كما يفسره القائمون عليه، الذين ينتظرون إقراره النهائي من قِبل وزراء العمل الخليجيين، هو لتوحيد جهود وزارات العمل والشؤون الاجتماعية، بخصوص وضع العمالة المنزلية، ومعالجة الإشكاليات والملاحظات التي ترد من قِبل رب الأسرة والعمالة المنزلية المعنية. وهو في الواقع يضع الأطر اللازمة بحياد تحتاج إليه كل القضايا الإشكالية المطروحة. فهناك استغلال واضح من قِبل بعض أرباب العمل للعاملين عندهم، وهناك أيضاً مخالفات، وصلت في بعض الأحيان إلى حد الجرائم (بما فيها جرائم القتل) من قِبل بعض العاملين.
وهذا ''العقد'' سيوفر أيضاً أرضية تشريعية وقانونية مطلوبة مع أول خطوة جديدة وكبيرة باتجاه الاتحاد الخليجي. فالأطر الاتحادية (أياً كانت)، تأخذ تحت جناحها مختلف القضايا المطروحة، بل تتطلب من أطراف الاتحاد العمل على دمجها. ليس هناك أفضل من قوانين صارمة واضحة محدّدة ومعروفة للجميع في مسألة العمالة المنزلية. فالمخالفات التي تتم بهذا الشأن من قِبل أفراد، تنال فوراً من الدولة كلها، التي لا يقبل المشرعون فيها أيَّ مخالفة بصرف النظر عن مستواها، فكيف الحال بالاعتداءات وهضم الحقوق والاستغلال والتشغيل دون رعاية إنسانية؟ إن تفاصيل العقد الموحّد للعمالة المنزلية، لن تكون معقدة، وهي لم تُعلن بعد لأنها تخضع للمراجعة والنقاش من قِبل وزراء العمل والشؤون الاجتماعية. وتحديد شروط وطبيعة عقود العمل، أيضاً تعتبر من أسهل الأشياء، لأنها ستكون أمام الطرفين قبل بدء التشغيل، وبالتالي فمن حقهما القبول أو الرفض، فضلاً عن أن طبيعة العقود الموحدة أو الجديدة، توفر الضمانات الحكومية اللازمة. وهذه الضمانات يحتاج إليها في الحقيقة طالب العمل المنزلي أكثر من رب العمل. لقد شهدنا كيف أزّمت تصرفات فردية مخالفة وبعضها مشين، العلاقات بين الدول.
العقد الموحّد (كما يُراد له)، سيكون مرتكزاً بصورة أساسية على معايير حقوق الإنسان، ولا سيما أن العمالة المنزلية كانت على مدى عقود في منطقة الخليج، بعيدة عن المعايير التي تقوم عليها الأشكال الأخرى من العمالة. سيشهد العام المقبل نقلة نوعية بالفعل على صعيد العمالة المنزلية، مع وجود مؤشرات، بأن الجهات التنفيذية العليا في دول مجلس التعاون، ستتبنى ما قدم لها من قِبل المختصّين، الذين يشتغلون على هذا ''العقد'' منذ شهور طويلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي