الأنظار إلى «منفوحة»
عندما وصل فريق لربط منزلي بشبكة المياه كان أول ما طالبوني به هو إحضار سباك لتوصيل المنزل بالأنبوب الخارج من الشبكة والذي سينفذونه هم. مع أزمة العمالة لم أجد بداً من سؤالهم لماذا لا تربطونه أنتم، فأفادوا أن ربط آخر ماسورة هو من مسؤوليات صاحب المنزل.
أستغرب هذه السياسة العجيبة في ''تطفيش'' المواطن. شركة المياه التي لا تزال تعيش على مخصصاتها من وزارة المالية، وتعمل بأسلوب القطاع العام، حتى لأنك لن تجد بعض المهندسين والمديرين على مكاتبهم لعدة أيام متواصلة، بعذر يمكن أن تسمعه في القطاع العام وليس في القطاع الخاص ''ما داوم اليوم''.
شركات هذه بداياتها لا بد أن تُطبِق عليها الجهات الرقابية وتوقف النزف المالي الذي تسببه للدولة والمواطن في آن. قال لي أحد القراء إنه ''غسل يديه منهم'' عندما علم أنهم استأجروا مكاتب في عمارة ''المملكة''، وبرغم أن كل شارع رئيس في الرياض لا يخلو من مكتب للشركة، فالإنتاجية غير مبشرة خصوصاً أن كل العمل تقوم به شركات متعاقدة كفاءتها أقل من أن يقبل بها قطاع كهذا.
أعود للقضية الأساس وهي ''السباك''، فكرت أين أبحث عن سباك يقوم بوصل ماسورة ويذهب في حاله بعد نهاية فترة التصحيح. أحسست أن هناك أمراً غير منطقي في الحملة على العمالة المتخلفة. كيف تطرد جميع المخالفين ولا توجد لي بديلاً ينفذ الأعمال حسب الطريقة النظامية وبتكلفة معقولة؟ لا توجد شركات يمكن أن أتعاقد معها لتوفير السباك المؤقت هذا، ولا يمكن أن أذهب لمحل سباكة وأجد لديه شخصا يمكن أن ينفذ عملي، والحل الوحيد هو في أن أجثو على ركبتي وأطالب عمال الشركة بتنفيذ آخر ماسورة وأقدم لهم ما يريدون مقابل تنفيذ هذا العمل.
لم تكمل الشركة جميلها، ولم ألتزم بتنفيذ قرارات ما بعد الحملة التصحيحية. كل هذا ليس حباً في المخالفة، ولكن لأن المشرع لم يوجد لي البديل المعقول. على أن صديقاً ذكر لي أن هناك شركات تعمل في الجبيل بأسلوب التعاقد لتنفيذ الإصلاحات الآنية في البيوت من خلال عمالة على كفالتها وعقد تبرمه معها لتنفيذ كل أعمال الصيانة الطارئة أو الإصلاحات أو التجديدات عن طريق الاتصال الهاتفي. أمر لم أسمع بوجوده في مدينة مثل الرياض بحجمها وحاجتها الماسة.
كان الأولى قبل هذه الحملة أن يوجد البدائل النظامية من خلال شركات ومؤسسات قانونية مثل تلك التي ذكر صاحبي في مدينة الجبيل، وأعطاها الفرصة لتوزيع مكاتبها على المدن والبدء بتنفيذ الأعمال بطريقة قانونية. بعد ضمان وجود البديل الجاهز، يمكن الموافقة على نقل كفالة العمالة إلى هذه الشركات بعد تنفيذ اختبارات مهارية ملائمة، وتوزيع معلومات الشركات وحث المواطنين على التعامل معها بدل النزول للشوارع، ومن ثم البدء بالحملة التصحيحية.
توقف الكثير من أعمال البناء والخدمات بسبب الاعتقاد السائد أن هذه الحملة وهمية ولن يمر وقت طويل قبل أن تهدأ الأمور وتعود إلى سابق عهدها. هذا الاعتقاد نتج عن قناعات سابقة بأن الدولة تتخذ القرارات ثم يتلكأ التنفيذيون في التطبيق، والأمثلة لديهم كثيرة.
كانت الصدمة كبيرة عندما أغلقت المحال التجارية والمطاعم والمكاتب والمغاسل. الصدمة الأكبر ظهرت عندما بدأت الجهات الأمنية بتنفيذ القرارات والقبض على المخالفين. ظن هؤلاء أن الدولة ستتوقف عند مرحلة معينة، وظن كفلاؤهم أن هذه العملية ما هي إلا وسيلة لتقليل أرباحهم من تأشيرات العمالة وجمع الأموال نهاية كل شهر.
عندما ارتفعت أرقام القبض، ثبت أن المشكلة كبيرة وأن المخططين للحملة تجاهلوا الكثير من الأمور التي تعيشها البلاد وأهمها حجم وأعداد العمالة المخالفة من دول معينة. تظهر المقاطع التي انتشرت خلال الأيام الماضية أن طريقة توزيع سكن هؤلاء، وتمركزهم في أحياء وسط المدن، وارتفاع أعدادهم هو خطر كبير على أمن الوطن والمواطنين.
الخطر الأكبر كان يكمن في ردة فعل هؤلاء الأشخاص. تحولت الشوارع إلى ميادين للمطاردة بين الشرطة والمخالفين، وارتفعت الأصوات، واعتدى بعض المخالفين على مواطنين ورجال أمن ومقيمين، لتبدأ معركة كسر عظم بين هؤلاء والجهاز الأمني الذي لا يمكن أن يتراجع عن تطبيق القانون مهما كانت النتائج.
نحتاج اليوم إلى تعجيل توزيع الشركات التي تخدم المواطن في الأعمال البسيطة، وإعادة توزيع مرافق الخدمات لضمان توفير احتياجات الناس، ومحاسبة من أساءوا استخدام سلطاتهم للإضرار بالوطن خصوصاً في عقود النظافة والصيانة التي اتضح أنها تنفذ باستخدام عمالة مخالفة، والحد من الاستقدام من الدول التي ثبت أن مواطنيها تسببوا في أعمال شغب واعتداء على المواطنين ورجال الأمن، وقد يكون من الملائم دراسة توزيع مناطق سكن هذه العمالة لمنع تكرار مشاهد الاعتداء التي انتشرت في أحياء مثل منفوحة الرياض.