خطة مستدامة لاستراتيجية الخليج الإسكانية
هناك تجارب إسكانية ناجحة حول العالم، سواء تلك التي تموّلها الحكومات مباشرة، أو التي تقوم بتمويلها جزئياً. كما أن هناك أنظمة متعدّدة للتمليك الشعبي للمساكن، بالتأجير الذي يتحوّل أوتوماتيكياً إلى تمليك، أو بالتمليك الفوري، مع تسهيلات واقعية لأصحاب الدخل المحدود. في بريطانيا ـــ على سبيل المثال ـــ تقوم البلديات في كل منطقة بهذه المهمة نيابة عن الدولة، ونسبة من مداخيل هذه البلديات تأتي عن طريق رسوم للخدمات التي توفرها للقاطنين في محيط إدارتها، التي تعرف بضرائب البلدية. وفي فرنسا، هناك أنظمة تعتمد التسهيلات الممكنة للإسكان الشعبي. والمساكن أو المباني الشعبية، تدخل في أوروبا ضمن نطاق السوق العقارية نفسها. أي أنها ليست معزولة عن السوق، بسبب طبيعتها، الأمر الذي يضيف إليها مزيداً من القيمة.
ولا شك أن تجربة البحرين في هذا الصدد رائدة على مستوى مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً بعد أن أثبتت نجاحاً، يمكن أن توفر مؤشرات إرشادية. ولها خصوصية تتطابق مع خصوصية الإسكان في دول المنطقة كلها. وعلى هذا الأساس، تقوم أهمية اتفاق الجهات المختصّة في الدول الأعضاء، على دراسة هذه التجربة، ليس فقط من ناحية حجم المشاريع الإسكانية، بل أيضاً من حيث طبيعتها، وإن اختلفت مداخيل الأفراد بين دولة وأخرى. فالقضية ترتبط بالدرجة الأولى، بالمشروع الإسكاني ومخرجاته، وفق المعطيات الموجودة في هذا المجتمع أو ذاك، خصوصاً من جهة الاستدامة والتكاليف، والعمر الافتراضي للوحدات السكنية. إلى جانب ''طبعاً'' العوامل التي تفرضها خصائص النمو السكاني. كل هذا يدعم الاستراتيجية التي تسعى إلى إقرارها الأمانة العام لمجلس التعاون، التي تهدف أساساً، إلى إنشاء وحدات سكنية جيدة بتكاليف أقل.
في الخليج يسمونه ''السكن الاجتماعي''، وفي دول أخرى يسمّى ''السكن الشعبي''، وهذه التسمية لا تقلل من شأنه، بل تحدّد معاييره وتجعله جزءاً أصيلاً من الحراك العقاري ككل. السكن غير الشعبي، يقوم على معايير فردية، وهذا في الواقع لا يستحوذ على القطاع الأكبر في سوق العقارات. إن الخطة الإسكانية البحرينية، تمثل بالفعل نقطة انطلاق في الاستراتيجية الخليجية المشتركة في هذا المجال. وهي ـــ كما شرح القائمون عليها ـــ تقوم على أربعة محاور، هي: إعطاء القطاع الخاص أراضي تمتلكها الدولة لتمويل وتنفيذ وتصميم المشاريع الإسكانية. وبعد ذلك تشتريها الدولة في فترة لاحقة، يتم دفع مبالغها بعد مدة لا تزيد على سبع سنوات. كما أن التجربة تشمل شراء الدولة مشاريع إسكانية من القطاع الخاص، لمصلحة تلبية احتياجات المواطنين أصحاب الطلبات الإسكانية، والرهن العقاري، والاقتراض المصرفي أو التمويل المصرفي. إنها دائرة منطقية وطبيعية.
يشكل النمو السكاني في الخليج عاملاً دافعاً للجهات المختصّة للوصول إلى أفضل خطة من أجل مواجهة الطلب على الوحدات السكنية. والخطة المطلوبة ينبغي ألا تكون آنية أو قصيرة الأجل، بل مستدامة، لأنها ستلبي الطلب، وفي الوقت نفسه ستُوجد الظروف التي ترفع من قيمة الوحدات السكنية المستهدفة، وتعزّز دورها لاحقاً في السوق العقارية. إن الخطة المشتركة القائمة على الاستفادة من تجربة البحرين وغيرها ـــ إن لزم الأمر ـــ ستؤمّن في النهاية السكن الملائم لطالبيه ومستحقيه في السنوات القليلة المقبلة. ودول الخليج، قادرة على الانطلاق في هذا المجال الحيوي المؤثر، من حيث قدراتها المالية، كما أنها مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى، لإتمام المشاريع الإسكانية بأفضل وأجود النتائج الممكنة، بما في ذلك، بناء الوحدات السكنية وفق المواصفات العالمية، الخاصة بترشيد الطاقة، والاستخدام الأمثل لما يُعرف بـ ''العزل الحراري''، الذي يسهم مباشرة في عملية الترشيد هذه.
المهم الآن الوصول في أسرع وقت، إلى ''الكود'' المشترك الخاص بالبناء في الخليج. وهو أمرٌ ليس صعباً.