مواهب عشوائية
مع تشكيل الاتحادات الرياضية الجديدة في الكرة السعودية، تستشرف اللجنة الأولمبية مستقبلا جديداً، تتأمل والمتابعون المحبون للرياضة أن يلبي طموحات شباب البلاد، ويحتوي اهتماماتهم، ورغباتهم، وميولهم وأفكارهم.
.. وحتى لا يكون التشكيل الجديد لرؤساء وأعضاء مجالس الاتحادات أرقاما فقط تضاف لتاريخ هذه الاتحادات، علينا أن نسأل أنفسنا والمعنيين: ما هو الدور الافتراضي لهذه الاتحادات ومجالسها تجاه الرياضة والشباب والمجتمع؟
الجواب البدهي الذي يمكن أن يلقيه رجل يمر في الشارع سمع السؤال هو: تحقيق الإنجازات في ألعابهم ورفعة اسم الوطن رياضياً. جواب منطقي يمكن قبوله وتفهمه، لكنه واسع لا يمكن الإحاطة بتفاصيله ولا يحدد أدوات الوصول إلى الغاية الكامنة في ثناياه.
في ظني أن تركيبة المجتمع الرياضي، التي تسير بكل مكوناته خلف كرة القدم، تحتاج إلى جهد جهيد من بقية الاتحادات لتحقيق النجاح، وهو جهد يمكن بذل نصفه لتحقيق النجاح ذاته في مجتمعات أخرى تلقى فيها الرياضات المختلفة رواجا شعبيا في الشارع والمدرسة.
تحتاج الاتحادات المعنية بالألعاب الفردية إلى إدارتها بطريقة النادي المتخصص في لعبة ما، الذي يبحث عن المواهب ويقتنصها ويرعاها، دون الوقوف مكتوفة الأيدي منتظرة مخرجات الأندية، ولذلك فهي مدعوة إلى التحرك بطريقة غير تقليدية في تنفيذ خططها وبرامجها. أعتقد أن اتحاداً متفوقاً في سنوات مضت مثل اتحاد ألعاب القوى جرب ذلك في سنوات خلت، ونجح، وقدم نموذجا لكل الاتحادات الأخرى، وهذا لا يمنع الاعتراف بأن "ألعاب القوى" ذاتها تثاقلت خطاها في الفترة الأخيرة ولذلك أسبابه.
اتحادات مثل الرماية، السباحة، التايكوندو والكاراتيه، والسيارات، وبقية المثيلات المعنية بالألعاب الفردية، مدعوة إلى زيارة المدارس والجامعات ومراكز التدريب الخاصة، والاطلاع على محتويات يوتيوب الهواة، والخوض في التفاصيل الدقيقة لاقتناص مواهب يمكن لأحدها أن يحقق منجزا يعجز عنه منتخب جماعي كامل.
في الثقافة السعودية الشعبية تظل ألعاب مثل الرماية والسباحة والسيارات، سمات واضحة في مجتمع الشباب وهواياته المفضلة، وتغص تجمعاتهم بالمواهب التي ظلت طريقها إلى الضوء، وعدمت الهادي إليه، فتحولت إلى طريق سلبي يضر بالمجتمع الكبير ولا يفيده، ومسلكا خاصا يعلنون فيه احتجاجهم بطريقتهم.
أعرف شبابا سعوديين يقضون أكثر من شهر في مقانيص، يطاردون فرائس الصيد، ويلبون رغباتهم في الرماية الحية، واطلعت على تسجيلات مصورة لبعض رحلاتهم، وتفاجأت بقدراتهم الخارقة، إصابة الهدف والسيارة على سرعة تتجاوز المئة، اشتراط تحديد مكان إصابة الفريسة في عضو ما، وهؤلاء لن يكون عسيراً عليهم التفوق في منافسات الرماية الأولمبية، لكنهم يحتاجون من يقنعهم بأهمية ذلك ودعوتهم، واحتضانهم وتسهيل أمورهم العملية والاجتماعية لنخلق بطلا أولمبيا نفاخر به، بدلاً من رامٍ موهوب تخترق رصاصته عين ضب بدقة بالغة ويشعر بعدها بقمة السعادة رغم الجهد المهدور.
في السباحة، عرفت نماذج ناشئة لافتة للانتباه، تحتاج مواهبها للتقنين فقط، وفي قيادة السيارات حدث ولا حرج.
هؤلاء مواهب عشوائية، تعيش في الظل، لن تذهب إلى الأندية ولا تعرف الميزات التي تنتظرها، ولا تعي أنها قد تصنع تاريخا ذاتيا واجتماعيا، ويحتاجون من مؤسسات الألعاب الرياضية، أن تهرول خلفهم وتستقطبهم، وتصنع منهم نماذج، يقتدي بها الآخرون، فهل نحن فاعلون؟ أقدم التفاؤل على ما سواه، وننتظر..!