جائزة الملك عبد الله للترجمة .. تناغم الحضارات

جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للترجمة، ليست سوى رافد من روافد الانفتاح والاعتدال وقيم التعايش والتعاون بين أبناء الشعوب كافة. وهي رافد أيضاً من تلك الناتجة عن الدعوة المحورية لخادم الحرمين الشريفين، للحوار بين أتباع الأديان. وهي دعوة جاءت من كبير؛ وضع الإنسانية على رأس معاييره، بعد الله ـــ عزّ وجلّ. كبير لا يرضى بالظلم لأي إنسان، ولا يقبل بالاستنتاجات الخاطئة، التي تنال من التوافق والاعتدال، والتعايش الإنساني. فهو يقدم الفكر الإسلامي بصيغته الحقيقية، لا بالصيغ السياسية البغيضة، وتلك المتخلفة التي نشرت الشكوك والاتهامات حول هذا الدين العظيم. وهو يتعاطى مع الدين الإسلامي الحنيف، ديناً للإنسانية لما فيه من قيم تشكل الضمير اللازم، لحماية الإنسان وتوفير كل ما يحمي إنسانيته من ملوّثات الفكر والتطرف والانغلاق، واستعداء الآخر.
جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة، التي تعقد دورتها السادسة في ساو باولو البرازيلية برعايته، تحمل معها عمقها الفكري والبشري، وتؤكد مرة أخرى مدى أهمية مشاريع الترجمة في التواصل بين الأديان والحضارات القائمة على الثقافات المختلفة. وإقامة هذه الجائزة في بلد كالبرازيل، تمنحها الزخم المطلوب لها في عالميتها. وبتنظيم هذا البلد النسخة السادسة من الجائزة، فإنه يعبر في الواقع، عن أهميتها ومقام راعيها، وتقديره له، على القيم التي يواصل تكريسها على الصعيد العالمي. كما أن الحكومة البرازيلية تحاول أن تبعث برسائل مباشرة وغير مباشرة، إلى العالم أجمع، بأن التواصل الحضاري جزء أساسي لخدمة البشرية، وهذه الجائزة تبقى دائماً أحد رموز هذا التواصل، وتمثل أداة أساسية لنقل الإنتاج الفكري عالي الجودة، بكل أنواعه التي تبني. فمشاريع الترجمة، تمثل دائماً الرابط بين الثقافات، ولا سيما تلك التي لديها ما تقدمه.
وعلى الصعيد المباشر، تسهم هذه الجائزة في تفعيل حركة الترجمة بين اللغتين العربية والبرتغالية. فهناك إنتاج أدبي وفكري راق بهذه اللغة الأخيرة، من الأهمية بمكان أن يصل الإنتاج العربي عالي المستوى إلى قارئ البرتغالية. والأهم على الجانب السعودي، أن جائزة الترجمة تخص الإنتاج العربي لا السعودي، مما يمنحها مزيداً من الأهمية، بل يجعلها ضرورة لنشر الثقافة العربية بكل اللغات. والأهمية تشمل بالدرجة الأولى المقام الراعي لجائزة الترجمة. وعبّر المجتمع الدولي في كل المناسبات، عن تقديره لخادم الحرمين الشريفين، من منطلق الدور الذي يلعبه على صعيد ما يمكن تسميته ''تناغم الحضارات''. كما أن مبادرات الملك عبد الله، تشجّع آخرين على التناغم معها، وتدفعهم إلى طرح مبادراتهم هم أيضاً. إنها عملية حضارية كاملة.
لقد أثبتت جائزة خادم الحرمين الشريفين، أهميتها أيضاً من خلال استقطاب عدد كبير من المترجمين العرب والأجانب، من الأفراد والمؤسسات. وهذا ما دفع الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية، رئيس مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة، رئيس مجلس أمناء الجائزة، إلى التأكيد أنها صنعت حراكاً كبيراً في مجال الترجمة من اللغة العربية وإليها. ولا تتوقف الجائزة عند منجزاتها ومنتجاتها فقط، بل تتفاعل بصورة تتلاءم مع ما هو مطلوب في مجالها، وتفتح الآفاق أمام المفكرين والمبدعين، لترجمة إنتاجهم، والإسهام المباشر في التواصل الحضاري والثقافي والفكري والإبداعي، فضلاً عن التواصل المعرفي والعلمي.
إن قيمة جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة، تحمل معها مجموعة لا تنتهي من القيم المطلوبة على صعيد العالم أجمع. وارتباطها بالملك عبد الله، يعطيها دفعاً قوياً متواصلاً، من أجل تلبية دعواته الحضارية التي تصون الإنسان، وتقدم كل ما يصون الإنسانية، وتحارب في طريقها التطرف الذي لم يجلب لا للمتطرفين ولا للذين عانوه .. إلا الخراب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي