الفوضى لن تعود

ليس بالغريب الإصلاح الذي تتبناه بلادنا، والذي بدأ منذ توحدت، والذي جاء بالنظام. نظام لا يفرق بين أحد، نظام يشمل ويعم الجميع، وينتفع بتطبيقه الكل بلا استثناء. ولم يكن بالسهل أبدا تنفيذ آلية الإصلاح على أرض الواقع، خصوصا أن كثيرا من المواقع عانت تغلغل حالة (الفوضى). وليس المقام هنا تعداد وشرح أسباب تطور الأمور في كثير من المواقع لتصل إلى الفوضى، فذلك ليس غرض المقال، المهم أن بلادنا سعت ونجحت في إنهاء واقع شاذ، واقع لا يخدم إلا مصلحة قلة لا يمكن لها أن تعيش في وسط يسوده النظام. قلة يتبرأ الجميع منها، ولا تمثل إلا نفسها. قلة لم تتورع عن إثارة حالة من الفوضى العارمة، عانى الجميع منها ومن مآسيها، ونجح الملك عبد العزيز في إنهائها - ولله الحمد. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا والعمل قائم على قدم وساق لتكون مملكتنا في أحسن حلة، وليكون واقعها حفظ حقوق مواطنيها وزائريها على حد سواء.
والواقع (الآمن) و(المستتب) لمملكتنا يشكل كابوسا لأطراف دولية عديدة ترى في نهوض بلادنا ورفعتها واستقراراها مصدر خطر على أجندتها الماكرة التي تسعى من خلالها للسيطرة على مقدراتها، ولإثارة حالة من الفوضى تمكنها من بسط نفوذها وتمرير أجندتها، ولنا فيما يفعله ويقوم به ملالي إيران مثال واضح على هذا الأمر. ولكن الغريب فعلا أن يكون بيننا ومن أبناء وطننا وجلدتنا من يسعى لهدم وتخريب ما تم إصلاحه. ويصل الأمر أقصاه حين يلبس (الهدامون) لباس الوعاظ والأتقياء للتشكيك في كل ما نسعى لإصلاحه من شؤون حياتنا الدينية والدنيوية. آخر ما قرأت مما يندى له الجبين، ومما يشعر المرء بمأساة عقول كثير من أبناء جلدتنا، ما كتبه الدكتور زهير كتبي، الذي أظهر فيما كتبه حقيقة ما يدفنه من غل وحقد على وطنه، وعلى الجهود المبذولة و(الرائعة) بكل ما تعنيه الكلمة في تنظيم أعمال الحج والعمرة بما يسهل على المسلمين وبما يضمن حق الجميع. ولست بصدد تفنيد ما كتبه الدكتور زهير الكتبي، ولكني بصدد التحذير منه ومن نهجه. وأقصد بذلك نهج سرد الأحاديث ومن ثم الانطلاق منها للإساءة لرموز بلادنا وعلمائها ومؤسساتها والتشكيك في نواياهم ومنطلقاتهم، بل حتى الادعاء بأن الدولة محاربة للدين، وبأن الدولة تقف ضد تأدية شعائر الله. بدأ الدكتور زهير بسرد الأحاديث، ثم انتقل إلى التهجم على أمير منطقة مكة المكرمة بعد إسقاط الأحاديث على شخصه، ثم بدأ في النقد الهابط للتنظيمات والقوانين والأنظمة المنظمة للحج، وبعد ذلك صب حقده على هيئة كبار العلماء، ثم على مجلس الشورى، ويختم بالتشكيك في نزاهة الأمير ثم يأتي بحديث لأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه.
لم نصل لهذه المرحلة من التقدم والإصلاح والنهوض ليأتي كائن من كان ويشكك في ولاة أمرنا وعقيدتنا ومنطلقاتنا، لا بد من سن القوانين التي تحاسب كل من يأخذ الدين لباسا ليغطي أجندته وأهواءه وأطماعه (أيا كانت دوافعها). لا بد من تجريم كل ما يمس وطننا وأمراءنا وعلماءنا ومكتسباتنا. ويجب أن يخضع الجميع وبلا استثناء للقوانين والتشريعات دون تفرقة. فلا أحد فوق القانون ولا أحد مستثنى مهما بلغ علمه ومنصبه وماله. هناك خطوط حمراء يجب ألا يسمح لأحد بتجاوزها، ناهيك عن الادعاء بأن الدولة وممثليها يدعون تطبيق الشريعة والنظام والقيام بعكس ذلك.
لا بد أن يعلم القاصي والداني أن حالة الفوضى ولّت ولن تعود تحت أي ادعاء وتحت أي تأثير مهما علا صوته وضجيجه. إن مرحلة الفوضى بادت وحل الأمن والنظام والقوانين والأنظمة، وعلى كل الأطراف التي تسعى لإعادة الفوضى من خلال التشكيك في مكتسبات مملكتنا الغالية أن تعلم أن أقصى ما بأيديهم إطلاق الأصوات النشاز التي لا تسبب سوى تلوث الأسماع بنشاز أصواتهم. لا بد من إخضاع كل من يشكك في دوافع الدولة للقانون والمحاكمة العادلة لمنع أي لغط مهما دنا صوته. ألا يتعظ هؤلاء بما يجري حولنا؟ أم أن نفوسهم تواقة لجعل بلادنا على غرار (فوضاهم الخلاقة). بلادنا تعمل ليل نهار للنهوض ولن يؤثر فيها قول مجحف أو ادعاء صاحب هوى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي